إن البحوث والدراسات النفسية والتربوية
المتقدمة تؤكد لنا أن الإضطرابات النفسية والسلوكيه تزداد انتشارا يوما بعد يوم،
ومن المعلوم لدينا أن هذه الإضطرابات والإنحرافات السلوكية لها أعراضها المختلفة
وأسبابها المتنوعة، وقد اختلف العلماء حول تفسيرهم لها ، وذلك حسب أختلاف نظرياتهم
الأساسية وأساليبهم فى تشخيص وعلاج هذه الإضطرابات ، وكأن من حصيلة هذه الإختلافات
أن ظهرت عدة إتجاهات فى طرائق تشخيص وعلاج الإضطرابات السلوكية، ولكل أتجاه تفسير،
ومنهجيه، وطرائقه، ووسائله الخاصة، كما أن لكل أتجاه مشكلاته النظرية والعملية،
ومن هذه الإتجاهات ما هو معروف وقديم كإتجاه التحليل النفسى، ومنها ما هو متطور
وحديث مثل اتجاه العلاج السلوكي، وهذه الاتجاهات على الرغم من تغايرها لا تخلو من
نقاط تشابه بينهما، والصراع بين هذه الإتجاهات هو السمة العريضة المميزة لها، وتطورت هذه الإتجاهات نتيجة
لتطور علم النفس الإكلينيكى، وعلم النفس المرضى، وعلم النفس التربوى، ووسائل
القياس، وعلم النفس العصبى والصيدلانى.... وكان فى مقدمة هذه الإتجاهات المتطورة
إتجاه العلاج السلوكى (أو الإشراطى)، الذى يعتبر من الإتجاهات الحديثة التى تعتمد
علي أسس علمية فى تعديل أو تغيير السلوك البشرى الخاطئ ، أو العادات الغير صحيحة،
ويرجع هذا الإتجاه فى جذوره إلى تاريخ قديم قدم محاولات تعديل وتغيير السلوك
البشرى.
لقد أكتشف الإنسان منذ فجر التاريخ أن هناك
طرقا عديدة لتعديل وضبط السلوك الإنسانى، مثل طريقة تعديل البيئة، والنصح،
والإقناع، والمكافأة (أو الإثابة)، وبواسطة العقاب، والتكريه أو النفور،
والإهمال،والكى بالنار والتخويف والتهديد... إلخ
ورغم ذلك فقد لاحظ الإنسان قديما بأن هناك
بعض أنماط السلوك المنحرف والعادات السيئة تقاوم وبشدة هذه الطرق الغير منظمة
والبدائية، مثل الهلوسات، والوساوس، والمخاوف، والخلجات العصبية، والتبول اللا
إرادى، والإنحرافات الجنسية... وتاريخ الطب القديم ملئ بالطرق والوسائل التى كانت
تستهدف تعديل السلوك البشرى. وهذه الطرق القديمة يمكننا ( وبمعنى مجازى)أن نطلق
عليها إسم العلاج السلوكى لأن السلوك نفسه هو الذى يخضع لعملية العلاج والتعديل،
لقد كان العالم( أنطون فرانز مسمر)صاحب الحركة المسمرية أول من استخدم المبادئ الأساسية
للسلوك فى العلاج، وبالرغم من أن مبادئ مسمر لم تصمد أمام القياس العلمى إلا أنها
قادت إلي إجراءات ناجحة فى العلاج وكانت الأساس فى قيام منهج العلاج بالإيحاء أو
التنويم المغناطيسى وقيام مناهج أخرى تهدف إلي التحكم اللفظى فى السلوك.
وما زالت هذه المناهج تستخدم حتى يومنا هذا
فى أستبدال السلوك الغير مرغوب فيه بسلوك آخر مرغوب فيه بواسطة تأثير الإيحاء،
والمعروف أن الإيحاء ينجح عندما تتنافس الإستجابة الجديدة (الأفكار الجديدة) أو
تمنع وتوقف ظهور الإستجابة القديمة، تماما كالشخص الذى اعتاد الكتابة باليد
اليسرى، فيحاول وقف هذه العادة والتدرب على تكوين عادة الكتابة باليد اليمنى،
وكذلك عندما يتعلم الطفل نطق كلمة أجنبية بشكل خاطئ ويحاول المعلم المرة تلو
الأخرى إصلاح هذا الخطأ عن طريق إظهار عدم الإرتياح لسماعه النطق الخطأ، وعن طريق
الإيحاء للطفل بأنه يستطيع النطق السليم، وفى مثل هذه الحالة تطرد العادة القديمة،
وقد يحدث كف للإستجابة القديمة إما مباشرة أو بعد تكرار السلوك عدة مرات.
وفى القرن التاسع عشر ظهرت أفكار عالم
التحليل النفسى (الكلاسيكي) سيجمدند فرويد، هذه الأفكار التى أدت إلي ظهور عدد من
الطرائق العلاجية كرد فعل لهذه الأفكار التحليلية التى تعتمد علي المعانى ورموز
الأعراض السلوكية وعلى الغريزة الجنسية‘ دون الإعتماد على القوانين أو على فهم
الحقائق وتفسيرها، فليس المطلوب عند جماعة التحليل النفسى تفسير التفاعل بين
المثير والإستجابة وإنما فهم هذا التفاعل وكيف تم، ومن المعلوم أن التحليل النفسى
كطريقة فى تعديل السلوك الإنسانى يتطلب وقتا، وجهدا وخبرة، وكلفة، وهذا ما أدى إلي
ظهور بعض المشكلات النظرية والعملية بتعديل أو بتصحيح سلوم الإنسان، وهذه المشكلات
ساعدت على ظهور ما يسمى بإتجاه العلاج الجماعى الذى يستهدف التخفيف من مشاكل
التحليل النفسى باستخدام طرق جماعية، وتبين فيما بعد أن العلاج الجماعى لم يكن
كافيا علي التجارب ووسائل القياس فى دراستهم للسلوك البشرى، والإستفادة من نظريات
الإشراط فى التعليم عند(بافلوف وسنكر،وهل، ثورندايك،وغثرى، وواطسون....) وانتهوا
من ذلك إلي تحديد الكثير من العوامل التى تعتبر مسئولة عن أكتساب العادات‘ ونموها
واضمحلالها،أو عن المحافظة على هذه العادات، وكذلك إصلاحها،وكفها أو منعها من
الحدوث.
وقد ميز أصحاب العلاج السلوكي بين العادات
الصحيحة والمفيدة والعادات السيئة العصابية، وهم يرون بأن العادات السيئة هى حصيلة
تعلم خاطئ، تم عن طريق الإشراط واستهداف خفض التوتر والقلق الذى يعانى منه
الإنسان، ويمكن التخلص من هذه العادات السيئة عن طريق عملية فك الإشراط أو
الإرتباط بين المثير والإستجابة المكونة للعادة السيئة كما يمكن بناء عادات صحيحة
عوضا عنها عن طريق إعادة عملية الإشراط أو التعلم بالشكل الصحيح .
لقد قام علماء العلاج السلوكى بتجارب حول
الكف التجريبى للعادات، أى كف العادات عن الظهور تدريجيا عن طريق ضعف تكرار
الإستجابة نتيجة حرمان الفرد من التعزيز أو المكافأة التى تلى الاستجابة، وقد أشار
العالم (دانلوب)الى القيمة العلاجية لهذه العملية فى تعديل العادات ووضع منهجا
يطلق عليه إسم التدريب السلبى وفى عام 1935 وضع العالم (غثرى) منهجا لتطبيق مفهوم
الإشراط المضاد فى العلاج وقد قرر غثرى بأنه خير طريق لوقف العادة يكون بمعرفة
الأسباب التى أدت إلي السلوك، ثم ممارسة الفرد لإستجابة أخرى صحيحة تشبع هذه
الأسباب وفى عام (1943 ) أجرى العالم مسرمان تجارب على
مسرمان تجاربه بالرجوع إلى عملية التعليم
والمفاهيم التحليلية المستمدة من التحليل النفسى، وتبين مسرمان أن العادة السيئة
العصابية هى عادة مكتسبة عن طريق التعلم، والتى كان موضوعها العصاب التجريبى
المكتسب ومخاوف الأطفال (من الحيوان).
ثم تطورت الدراسات على يد مجموعة من العلماء
البارزين امثال جوزف وولب وأخرون وقد تبين لهولاء أن السلوك أو العادة السيئة هى
عادة تعلمها الإنسان ليقلل بواسطتها من درجة توترة وقلقه، أو من حدة الدافع لديه
وبالتالى أدى ذلك إلى تكوين إرتباطات عن طريق المنعكسات الشرطية، وهذا الإرتباط
الشرطى تم بصورة غير سوية، ولو إستطاع المعالج إطفاء هذا المنعكس الشرطى المرضى
بفتح الميم والراء والمكتسب ثم بناء عوضا عنه منعكس شرطى صحيح وسوى لتخلص الفرد أو
المريض من إضطرابه الذى يعانيه، أو من عادته السيئة، ولقد تطور العلاج السلوكى
بفضل إعتماده علي أسس علمية وعصبية، وأصبح له وسائله وطرائقه الخاصة مثل طريقة
الكف بالنقيض وطريقة الكف الإيجاب وطريقة التدريب السلبى، وطريقة النفور أو
الكراهية وهناك طرقا أخرى، كما أصبح لهذا الإتجاه مشكلاته النظرية والعملية التى
كنا ومازلنا ننتظر لها حلا، وحول هذا الإتجاه السلوكى فى تعديل السلوك البشرى
يحدثنا العالم (هارولد) في كتابه عن تعديل السلوك البشرى مبينا لنا خصائص هذا
التكنيك الحديث.
والمشكلات التى أثارها، ومدى فاعلية هذا
التكنيك في علاج بعض العادات العصابية، وكذلك التطورات التى طرأت علي هذا الإتجاه،
والدكتور بيتش بالرغم من أن له ولاء كبير نحو هذه الطرائق، وهو يعمل جاهدا علي
ارساء القواعد الصحيحة التى تزيد من مكانة هذا التكنيك، وتخفف من الصعوبات التى
تواجهه وذلك في محاولة تقييمه لمدى فاعلية هذا التكنيك، إن بيتش يعتمد في تقييمه
للأمور علي الموضوعية العلمية،دون تعصب لإتجاه دون آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق