نادى حنا يكتب:
الجزء الرابع
وصلت الدكتورة سمر ، إلى العمارة التى تسكن بها .
توقفت السيارة ، خرجت هى ، ولم تنسى أن تمسك بيد سعيد .
أعطت السائق الحساب .
وقف سعيد ينظر حوله باستغراب ، إنها المرة الأولى التى يرى فيها القاهرة من الداخل !!!!!!.
فقد أمضى حياته لم يغادر فيها رصيف محطة السكة الحديد .
المرة الأولى ، التى أحس بأنه يعيش بالقاهرة !!..
رأى وجوه البشر الذين ، دائماً يحاول أن يحمل حقائبهم أثناء سفرهم !!!!
أخذ ينظر شمالاً ويميناً ، وكأنها المرة الأولى التى يرى فيها ةجوه البشر .
الدكتورة سمر لا تكف عن النظر إليه ، وكأنها وجدت ضالتها .
عيناها تمتلئ بالدموع أحياناً ، فتخرج منديلها ، وتجفف أعينها ، ولا تجد تفسيراً لذلك !!.
تقنع نفسها ، ربما لأن الطفل مثير للشفقة !!!! .
ربما لأنها فقدت طفلها ، وهو فى مثل سنه ! .
أو ربما وجد الطفل طريقه إلى قلبها ، لا تعلم ما الذى ولد لديها هذا الإحساس للجارف لهذا الطفل ، دون غيره .
تساؤلات كثيرة دارت فى خاطرها .
وكذلك سعيد الذى لم يشأ أن يترك يدها .
تيار من الحنين جعل قلبيهما يتواصلان بشكل عجيب .إنطلقت به إلى داخل العمارة ، وإستدعت المصعد .
أمسكت بالحقيبتين ، الذان بحوزتها ، ولم تعطى سعيد إحدهما لحملها .
إكتفت بوضع الحقيبة الكبرى بكتفها ، والصغرى بيدها اليمنى .
وأمسكت سعيد بيدها اليسرى ، القريبة من قلبها .
لسان حالها يقول ، إنها مستعدة للتخلى عن كل الدنيا ، ولكنها لن تتخلى عن هذا الطفل المجهول .
إن قلبها دائماً يحدثها ، بأن طفلها الذى لم تفارق صورته خيالها يوماً ، لازال على قيد الحياة ، وسوف تلتقى به يوماً ما .
دائماً تشترى ملابس ، متسائله ،
كم يكون طوله ؟؟؟؟؟
وكم يكون حجم جسده ؟؟؟؟؟؟
عيناها لم تفارقه .
وضعت الحقائب على الأرض ، وأخرجت المفتاح لتفتح باب الشقة ، التى سبق أن إستأجرتها .
دخلت الشقة وهى ممسكة بيد سعيد .
إنطلقت به إلى الحجرة ، التى خصصتها لإبنها المفقود .
فتحت ، حقيبة كبرى ، وأخرجت ملابس جديدة .
طلبت منه أن يدخل ويستحم .
للمرة الأولى .
لم يرى تلك المعاملة الآدمية . ولم يتواجد فى مثل هذا المكان الفاخر من قبل .
إرتدى ملابس فاخرة ، أجلسته على كرسى وجلست بمقابلته .
لم تتحرك عيناها بعيداً عنه .
تتحدث إليه وتسمع منه ، وكأنها لم ترى طفلاً من قيل .
أحست فيه بتعب ، أغمض عينيه .
حملته بين زراعيها برفق وحنان ، وضعته على السرير .
وجلست هى بجواره تتطلع إليه بإنتباه شديد .
أنساها وجود سعيد تعب وعناء السفر !!!!!.
وجدت راحتها بوجودها بجانب هذا الطفل !!!!.
حتى استيقظ ، لايعلم ماذا يقول أو ماذا يفعل ، إعتقد أنه فى حلم ، يتمنى ألا يستيقظ أبداً ، ولا يعلم .
هل يشكرها ويطلب المغادرة ؟؟؟؟؟؟
هل يستسلم للوضع الحالى ؟؟؟؟
ماذا لو طلبت هى منه المغادرة !!!!!!!!!
كان الدكتور على زوج الدكتورة سمر ، مشارك فى مؤتمر علمى بالخارج .
ماذا سيكون رد فعل الدكتور على عند عودته ؟؟؟؟؟
ماذا سيفعلون بالطفل ؟؟؟؟
هل سيرجع لمحطة القطار . أم يبقى ؟؟؟؟
الجزء الخامس
تمسكت الدكتورة سمر بالطفل سعيد ، لديها احساس قوى بأنه وليدها الذى إختفى فى ظروف غامضة من المستشفى ، بعد الولادة بساعات قليلة .
احساس الأم ، والعلامة بعينه اليسرى ، ولكن هذا غير كاف .
لم تحاول التأكد ، من العلامة المميزة ، الموجودة بظهر الطفل .
تخشى ألا يكون طفلها ، الذى إنتظرته .
فقد سهرت ليال طويلة ، تفكر .
كيف أصبح ؟؟؟؟
هل لازال على قيد الحياة ؟؟؟؟؟
هل يوجد مكان ينام فيه ؟؟؟؟؟
عاشت أياماً ، ، أقل ما يقال عنها أنها أياماً سوداء .
لم تحاول أن تتأكد ، إذا كان وليدها أم لا .
إستمر الوضع هكذا لمدة خمسة عشر يوماً .
هى مدة بقاء زوجها الدكتور علي خارج البلاد .
إنتهت فترة المؤتمر العلمى ، ورجع زوجها .
دق جرس الباب .
خرج سعيد ، فتح الباب .
أخرجه الدكتور علي بالخارج ، وأغلق الباب .
سعيد بالخارج ، لا يعلم كيف يتصرف !!!!!!! .
لا يملك أى نقود .
جلس بجوار الباب ، من الخارج ، وهو يبكى بكل مرارة .
ماذا يفعل وكيف يتصرف .
إنه طفل صغير . لاحول له ولا قوة .
صاحت الدكتورة سمر ، من الطارق ياسعيد ؟؟؟
لم يكن سعد هو الذى أجاب .
كان الدكتور علي .
من هو سعيد يادكتورة ؟؟؟ .
إنه سعيد ابننا الذى فقدناه فى المستشفى ...
أجاب الدكتور علي .
ألم أطلب منك كثيراً أن تكفى عن التفكير فى هذا الموضوع ؟؟؟؟؟؟؟؟
ألم أطلب منك أن تنسى تلك الخرافات ؟؟؟؟؟؟؟
أجابت الدكتورة سمر .
كيف أكف وقد وجدته ؟؟؟؟؟
وجدت ابننا الذى فقدناه .
إنها أحلام ، فقد مات ابننا .
وقد أعلنت الخادمة فى التحقيقات .
أنا لا أثق بكلامها .
ضربت الدكتورة وجهها بكفيها قائلة .
أين الولد ؟؟؟؟؟؟
أخرجته بالخارج وأغلقت الباب .
ماذا فعلت ؟؟؟؟؟
ما سمعته .
صاحت بقوة .
ستذهب وتأتى بالطفل .
أو إذهب أنت ، ولا تأتى إلى هنا مرة أخرى .
ظهرت كل ملامح الغضب على وجه الدكتور علي ...
كيف تطلبين منى المغادرة من أجل طفل لقيط ؟؟؟؟؟
إنه ابننا وليس لقيط .
لقد أهملنا حتى تم سرقته منا ، ، نحن نتحمل مسؤولية معاناته .
إذا لم تبحث عنه ، سوف أتولى أنا البحث عنه .
تملك الغضب ، من قلب وعقل الدكتور علي قائلاً .
إذا رجع هذا الطفل إلى المنزل ، فسوف أغادره أنا فى الحال ...
حاولت الدكتورة سمر إقناع زوجها قائلة .
إن طفلنا يوجد به علامتان .
إحداهما بعينه اليسرى والأخرى بظهره !!!!
وقد تأكدت أنا من عينه ، ولكنى لم أتأكد من العلامة الأخرى .
فما رأيك لو أحضرناه وتأكدنا منه جيداً .
فإذا كان ابننا ، يكون الفضل لله .
وإذا لم يكن هو ، نعطيه بعض المال ونصرفه ، أو نبقيه ونعلمه .
وبذلك يكون فى ميزان حسناتك .
صاح الدكتور علي .
ومن قال لك أننى أريد حسنات .
لابد من إغلاق هذا الموضوع نهائياً ، وعدم الحديث فيه مرة أخرى .
قالت له وكانت قد إرتدت ملابسها ، تأهباً للخروج .
سأذهب أنا للبحث عن الطفل .
إننى لدىّ يقين بأنه ( لؤى ) ابنى .
أتذْكر يا دكتور يوم بكت السيده العجوز ، وألقت بنفسها على قدميك لتقوم باجراء الجراحة لابنها الوحيد .
وظلت تترجاك بدموعها ، أن تخفيض المبلغ المطلوب .
بينما أنت طلبت لها الأمن ، وطردتها .
وقام دكتور آخر بإجراء العملية دون أن يتقاضى من السيدة أى أموال ، بل أعطاها بعض المال لتستكمل علاج ابنها ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نظر إليها بغضب شديد متسائلاً .
هل أنا أعمل بالشؤن الإجتماعية ، أو مؤسسة خيرية،
أو بالصليب الأحمر ؟؟؟؟؟؟؟؟
نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها .
سأذهب وأبحث عن الطفل .
أتمنى عند عودتى ألا أجدك هنا ....
لا يشرفنى أن أعيش مع إنسان أشبه بالحيوان .
وخرجت لتبحث عن الطفل ، الذى سمع الحديث ، الذى دار بينهما فنزل من العمارة ، وإنطلق إلى الشارع ، وهو فى حالة إنهيار تام .
لم يبتعد كثيراً .
فور خروج الدكتورة سمر .
نظرت وإذ بسعيد يجلس ، عند بداية الشارع ، يبكى لا يعلم كيف يسير .
ذهبت مسرعة إليه .
إحتضنته بلهفة شديدة .
حملته على صدرها .
لن تتركه ولو كلفها ذلك حياتها .
رجعت به .
وفور دخولهأ باب الشقة ، قامت بالكشف عن ظهره ، أمام زوجها ، الذى لم يكن قد غادر بعد ....
وكانت المفاجأة .
العلامة المميزة ، موجودة بالفعل فى مكانها .
ذهبت وأحضرت الصور التى إلتقطها له الدكتور علي .
تأكدت بأنه ابنها ( لؤى )
كيف ستسير الحياة بعد ذلك ؟؟؟؟؟
هل سيوافق الدكتور علي ببقاء الطفل معهم أم سيتمسك برأيه ؟؟؟؟؟؟
هل سيطرأ تغيير على حياة الطفل ؟؟؟؟؟؟
الجزء السادس من سباعية
تأكدت الدكتورة سمر بأن سعيد هو ابنها ( لؤى ) الذى فقدته منذ خمسة أعوام .
كانت الفرحة غامرة ، لدرجة افقدتها صوابها وهدوئها ، فاطلقت الزغاريد ، لإعلان فرحتها الغامرة .
نظر إليها الدكتور علي بشكل فيه استفزاز .
أخذ يصفق بيديه ،
قائلاً .
وهل تظنين بأننى اقتنعت ؟؟
إنها مؤامرة ، تحاولين الإستيلاء بها على أموالى الكثيرة.
لكننى لن أمنحك تلك الفرصة .
فقالت له ، لا يهمنى كيف تفكر ، بعقلك المريض !!!!!.
فقد وجدت ابنى ، بعد أن فقدته سنوات طويلة ، ولن أتخلى عنه مجدداً ، مهما كان ، ومهما حدث .
فلتذهب بأموالك حيثما تريد .
التقط حقيبة ملابسه ، التى لازالت مغلقة وإنصرف .
لم تُعره أى إهتمام ، واستمرت تحتضن طفلها .
تغمر وجه طفلها بوابل من القبلات .
أصبح طفلها بأحضانها أخيراً .
بعد أن تأكدت بأنه بالفعل هو ابنها .
استدعت حارس العمارة التى تسكن بها .
سألته عن أفضل مدرسة بالمنطقة .
استقر الرأى ، على إحدى المدارس الخاصة .
فى اليوم التالى ، ذهبت إلى الجامعة التى تقوم بالتدريس فيها ، وعادت الساعة الحادية عشر صباحاً . وذهبت بصحبة لؤى إلى المدرسة .
طلبت منها المدرسة شهادة الميلاد للطفل .
ظهر عليها بعض الإضطراب ، لا يوجد لديها شهادة ميلاد للطفل .
إنه فى نظر القانون متوفى .
عليها الآن إثبات بأن الطفل على قيد الحياة ، لاستخراج شهادة الميلاد .
ذهبت مسرعة إلى المنزل وأخذت الصور وكل ما تملكه من أوراق ، وأخذت الطفل فى رحلة صاروخية ، إلى الإسكندرية ، إلى المحامى الذى كان مسؤولاً عن قضية سرقة الطفل ، ليقيم دعوة مستعجلة ، لإثبات أن الطفل لازال حياً يُرزق .
بالفعل تمكنت فى خلال فترة قصيرة استخراج شهادة ميلاد للطفل .
كان العام الدراسى يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وقارب على الإنتهاء .
مديرة المدرسة ترددت فى قبول لؤى بالمدرسة ، الدكتورة أصرت وهى تطلب برجاء من المديرة ، حتى لا يضيع عاماً آخر من حياته .
وافقت مديرة المدرسة على مضض ، بشرط أن تقوم بإجراء إختبار الطفل ، على أن يجتاز الإختبار .
ظهر الحزن على وجه الدكتورة سمر .
ولكن كانت المفاجأة !!!!! .
نظر لؤى إلى والدته وابتسم قائلاً .
يا أمى ، أنا مستعد !!!!!!!! .
نظرت إليه بفرح . للمرة الأولى ، التى يمنحها ابنها السعادة ، والفخر بعد فرحة عثورها عليه .
تم إستدعاء بعض المعلمات ، لإجراء الإختبار .
كانت النتيجة ، أن الطفل يتمتع بذكاء خارق ، وهو يقرأ ويكتب ، متفوقًاً عن كل الأطفال بالمدرسة !!!!!! .
كانت السعادة تكاد تخرج من أعين ووجه والدته ، وأيضاً مديرة المدرسة ، والمعلمات اللائى أجرين الإختبار . .
تم قبول الطفل بالمدرسة ، بينما الأم فى ذهول وفخر .
كيف تعلم ابنها ، وفى أى مكان ، وبأى طريقة !!!!!!!.
قررت أن تسأل لؤى بالمنزل ، لتعرف منه ، وتخبره بما حدث فور إختفاؤه .
أصبح لديها الوقت الكافى ، لتستمع إليه .
خرجت به من باب المدرسة ، تملأ صدرها بالهواء ، متفاخرة بابنها .
فور وصولها للمنزل ، أخذته بين زراعيها وقررت أن تسمع منه ، كيف تعلم ، ومن الذى علمه .
الدموع تملأ عينيه ، يجففها بيديه الصغيرتين .
أمى سعدية كانت تتسول من المسافرين .
لم تكن تتسول من أجلها ، كانت تتسول من أجلى أنا .
كانت تشترى الطعام من أجلى ، وكانت تبقى هى بدون طعام طول اليوم .
كانت تضمتى بين زراعيها بالليل ، لتحمينى من البرد القارس ، بينما هى لم يكن لديها ما تضعه على جسدها .
كانت تشترى لى كتب وكراسات وتعلمنى ، وكانت تحلم بدخولى المدرسة ، رغم أنها ماتت لعدم قدرتها على شراء الدواء !!!!!!!!.
لم تكن تملك أى شئ من الدنيا ، كنت أنا كل حياتها .
ولكن يا أمى لماذا لم تبحثوا عنى طوال تلك السنين !!!.
إغرورقت أعين الدكتورة سمر بالدموع واجهشت بالبكاء وقالت له .
ابلغنا الشرطة لاختفاء الطفل ، التى قامت بالقبض على الخادمة ، اعترفت بكل شئ ، ولكن أبلغت الأمن بأن الطفل مات أثناء سفرها .
وقالت أنها أعطت الجثة لسيدة لا تعرفها ، وقدمت لها مبلغ من المال لدفنها !!!!.
يابنى كنت مثل المجنونة ، أنظر لوجه كل طفل بالمدينة !!!!! .
كنت أشترى الملابس كل مناسبة !!! .
سهرت الليالى أفكر ، وكان قلبى يحدثنى دائما بأنك على قيد الحياة ، ولم أفقد الأمل يوماً .
قالت هذا ، وانطلقت بنوبة من البكاء الشديد فلم تكن قادرة على استكمال حديثها .
ساد الصمت فترة طويلة ، قطعها لؤى قائلاً .
أتعلمين ما هى الأمانى التى التى تدور بخاطرى ؟؟؟؟ .
ما هى ؟؟؟
أن أصبح طبيباً ، أعالج المحتاجين بالمجان ...
وأن أبنى داراً كبيراً أجمع فيه الأطفال ، الذين لا مأوى لهم .
نظرت إليه والدته بفرح وافتخار . عليك أن تهتم بالدراسة ، لتحقيق كل أحلامك ..
بكل تأكيد يا أمى ..
هل سيتقابل مع والده مرة أخرى ؟؟؟؟؟
كيف تسير حياته بالتعليم ؟؟؟؟
هل سيتمكن من تحقيق احلامه ؟؟؟؟
هل تحاول الدكتوره سمر أن تعلم قصة سعدية الشوافة؟
فى الجزء السابع والأخير سوف نعلم الإجابات
إنتظروا الجزء القادم من سباعية
( الحمال )
اقرا إيضا:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق