40 سنة حب

كنت كأي شاب في المرحلة الثانوية، يشغل تفكيري ممارسة كرة القدم مع أصدقاء من الكنيسة نذهب معا للمعسكرات الصيفية نذهب إلى مدارس الأحد كما لقوم عادة فقط لنلتقي حتى جاء صيف عام ٨٣ قبل دخول الثانوية العامة قال لي أحد اقربائي تعالى معي إلى حفلة سيحاضر فيها مبشّر أمريكي يدعى جون باستر كامب. تهكمت على قريبي وقلت له أنا لن أحضر حفل غير أرثوذكسي كما أني لا أنشغل بهذه الأمور. ألح كثيراً، أخذت معي أخان شابان أقربائي من القاهرة جاءوا لزيارة الإسكندرية وقررنا أن نذهب لعدة دقائق حتى نرضي قريبنا هذا كان أحد الشابان بعيداً جدا عن الله وكان "الولد الشقي" كما تعني الكلمة فقرر أن يذهب ليتعرف على البنات الذين سيحضرون .
بدأ المتكلم يتكلم وبجواره شخص يترجم ما يقول ونحن نحاول الخروج من المكان ولكن كلمات المتكلم استوقفتنا إنه يتكلم بطريقة غريبة وكأنه يعرف ما بداخلنا بدأ يتكلم عن كيف كان شريراً بعيداً عن الله وكيف أعاده ألله إلى حضنه . تسمرنا في أماكنا وبدا كل منا وكأنه يقف وحيداً في هذا المكان لأن الكلمات وكأنها موجهة شخصيا له.
خرجنا من هذا المكان في صمت عجيب وفي ذهول ركبنا سيارة الولد الشقي دون أن ننطق ببنت شفة وفي اليوم التالي قررت أن أذهب معهم للإقامة معهم بالقاهرة لمدة إسبوع. بعد وصولنا إلى القاهرة فوجئنا بالأخ الأكبر "الشقي" يحضر شنطة كبيرة وضع فيها كل أسطوانات وشرائط الكاسيت للأغاني الذي كان يحبها جدا وألقى بها في صندوق القمامة وقال أنه من اليوم ستكون كل حياته للمسيح. هذا الشاب هو طبيب شهير الآن يعيش في إنجلترا ويأخذ أجازه سنوية يذهب فيها للكرازة في أفريقيا.
حاولت في فترة الجامعة أن أبحث عن أصدقاء لديهم نفس الإشتياقات وكان كل تفكيري في كنيستي الأرثوذكسية التي أعشقها ورفضت أي عرض للصلاة في مكان آخر، حتى ألتقيت به ، التقيت بالرجل الذي صنع نهضة حقيقية في خدمة الشباب في مصر والمهجر لم أصدق عيني حين قابلته لأول مرة في عام ١٩٨٦ قفزت بسببه الكنيسة القبطية قفزات كبيرة في خدمة الكتاب المقدس والكنسيات والآبائيات والألحان والترانيم والروحيات.
رجل قلما يوجد مثله في هذا الزمان . يستقبلك وكأنك أنت صديقه الوحيد، يحفظ اسمك من اول لقاء وإن قابلك بعد ذاك اللقاء بعشرات السنين يتذكرك. لقد أسرني بحبه الشديد حتى أنني كغيري من الكثيرين الذين يدعون أنه يحبهم أكثر من الآخرين ، نعم كان يشعرني أنه يحبني أكثر من الآخرين. كتلة من الحب والاتضاع تتحرك أمامك مغناطيسية عجيبة تجذب الكبار والصغار. لم أر في حياتي شخص تتشاجر كل كنائس مصر أن يذهب إليها ولما لا ولسانه عذب وكلماته شجية تجعلك لا تريده أن يتوقف عن الكلام .
الكلام عنه لا تكفيه مجلدات ولكن سأقص مواقف قليلة جدا من كثير حدثت معي شخصياً. في بداية معرفته به وفي إحدى المؤتمرات أصبت بنزلة برد شديدة وكان الرجل العظيم متجهاً نحو قاعة المحاضرات ليبدأ محاضرته التي أتي إليها خدام من كل إيبارشيات مصر . أثناء دخوله القاعة قال له أحدى الخدام عندنا مريض نريدك أن تصلي له فتوقف عن دخول المحاضرة ووجدته يجلس بجواري بجانب السرير وبدأ يغدق عليّ بمحبة أذابتني حتى أنه جاء أحد الخدام وقال له المحاضرة ستبدأ الآن فقال له أنا سأجلس مع ماجد وأطلب من الأستاذ فلان أن يتكلم بدلا منه . ما هذا الرجل الشهير الذي تنتظره الجموع يتركهم ليجلس مع شخصي الضعيف. لقد فعلها وزارني في بيتي بعد سنوات بالإسكندرية حين عرف أنني مريض ووفي زواجي حضر خصيصا من القاهرة وفي نياحة والدتي جاء مخصوص ليعزينا .
الرجل هو أبي وحبيبي ومعلمي نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى أسقف الشباب الذي يعجز قلمي عن الكتابة عنها مهما حاولت . يوما عرفت أنه موجود في إحدى كنائس الإسكندرية فذهبت إلى هناك وبعد الانتهاء من العظة والعشية التفت الجماهير حول سيارته ووصلت له بصعوبة وحين اقتربت منه وبسبب الزحام الشديد أغلق شباك السيارة وقال لتلميذه الحبيب تحرك فنظرت إليه حزينا أنني لم أتمكن من تحيته وتصورت أن الأمر قد أنتهى ولكن ما حدث كان أمرا غريبا فقد طلب نيافته من تلميذه أن يدور بسيارته عدة مرات حتى يبحث عني ثم وجدني وأشار عليّ بالركوب لتوصيلي لبيتي فاعتذرت في البداية وقلت لدي سيارة فقال لي اركب وسنحكي أولا وأصر أن أركب معه ونظر إليّ بمحبة شديدة وياللعجب أنه يقدم اعتذاره لي وكعادته ألجمني بكلمات حبه التي لا أستحقها ..
لن أستطع حصر ما تعلمناه من نيافته ولكن يكفي أننا تعلمنا منه الحب وهي رسالته الحقيقية التي رأيناها ولمسناها التي قدمها ويقدمها بكل تواضع القلب والوداعة
أبي الحبيب الرب يديم بهاء كهنوتك ويديم أبوتك الحانية يامن علمتنا كل عام وأسقفية الشباب بمناسبة 40 سنة خدمة وحب وكل عام ونيافتك بخير وصحة وطول عمر . وتعيش وتعلمنا يا معلم الأجيال ، "شي إن رومبي" سيدنا.
ماجد سوس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق