بقلم هاني صبري - المحامي
اعتاد الأستاذ / رجائي عطية علي الحديث عن أمور تخص المسيحية ولا نعلم أن كان ذلك ناجماً عن عدم معرفة بالكتاب المقدس وتعاليم المسيحية ام ماذا ؟! ، ويذكر مزاعمه ومفاهيمه الغير صحيحة ومغالطاته البعيدة كل البعد عن المسيحية، وعن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، متخفيا وراء عباس محمود العقاد عباس محمود العقاد، ظناً منه أنه بمنأي عن المسؤولية والعقاب.
حيث ورد في مقاله تحت عنوان "إمام الأديان" المنشور بجريدة الشروق يوم الخميس الموافق 10 / 6 / 2021 . أن المسيحية ضد العقل وفيها عيوب في العقيدة .. ثم يستطرد فإن المسلم يؤمن بجميع الرسالات، ويوقر جميع الرسل والأنبياء، ولا ينكر إلاَّ ما نسخته الشرائع النبوية وينكر ما أضافه المتدينون للأديان السابقة من خرافات أو من أوشاب العبادات التي اختلطت ببقايا الوثنية.. وبعدها ذكر روايات عن بعض الأنبياء في أسفار العهد القديم توحي بأنها ضد العقل ويقرر عصمة الأنبياء من الخطأ بالمخالفة لتعاليم الكتاب المقدس، وللقرآن الكريم ، ويُزعم أن القرآن نسخ الكتاب المقدس.
إن ما يدَّعيه الأستاذ / رجائي عطية يمثل جرائم استغلال الدين للترويج لأفكار غير صحيحة بقصد إثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين المسيحي والطوائف المنتمية له ، والإضرار بالوحدة الوطنية وتعكير السلم والأمن العام.
وسوف نقوم بالرد علي بعض من هذه المزاعم الذي يحاول فيها أن يثبت أن ، أن المسيحية ضد العقل، والمسيحية منسوخة وعصمة الأنبياء من الخطأ ، وازدرائه للدين المسيحي وهو دين سماوي، ليس فيه خرافات كما يزعم ، من أين أتيت بهذه الإدعاءات؟!. حاشا أن يكون الكتاب المقدس به خرافات.
أن القرآن يذكر الكتاب المقدس بالاحترام والتعظيم ويلقّبه بأعظم الألقاب، مثل قوله كلام الله - سورة البقرة 2 :75 ويسميه بها "الفرقان" آية 53" وضياء وذكرى للمتقين" - سورة الأنبياء 21 :48 "وكتاب الله" - سورة البقرة 2 :101.
فالقرآن يأمر أتباعه أن يعترفوا بالأسفار المتقدمة عليه كما يعترفون به بلا أقل تمييز، وهم مأمورون أيضاً أن يعتقدوا بأن القرآن نزل مصدِّقا لكتاب اليهود والنصارى، ومن أمثال ذلك ما ورد في سورة آل عمران 3 :3 "نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقا لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَان"َ ولزيادة التوكيد على أن التوراة والإنجيل موحى بهما جاء في القرآن تهديد صارم لمن يكفر بهما أو يظن بهما الظنون، ومن ذلك قوله "الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الْأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النارِ يُسْجَرُونَ"- سورة المؤمن آية 70.
إن مسألة النسخ وإن كانت مقبولة عند العامة وكثيرين من الخاصة ، غير أنه يجب أن نلاحظ أن القرآن لم يشر إليها بكلمة واحدة، ولا أشار إليها الحديث عند السنيين ولا الشيعيين, وبالإجمال أن هذه المسألة تشوِّش تعليم القرآن وتقلبه رأساً على عقب.
إن نسخ بمعنى أُزيل أو أُبطل لم يرد في القرآن إلا في موضعين اثنين، الأول (سورة البقرة :106) وهو قوله مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا والثاني (سورة الحج 22 :52 ) وهو قوله وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ ، فلا توجد في الموضع الأول ولا الموضع الثاني أقل إشارة تدل على أن القرآن ناسخ للكتاب المقدس ، بل إن القرآن ناسخ لنفسه في بعض أجزائه، حتى أن بعضهم أحصى الآيات المنسوخة من القرآن فبلغت مائتين وخمساً وعشرين آية.
ويخبرنا البيضاوي بأنه توجد قراءات مختلفة لآية سورة البقرة 106 لكن لدى التأمل نجد أن تلك القراءات واحدة في المعنى ، ولا يمكن أن يطلق عليها معنى النسخ الذي هو الإزالة أو الإبطال، فالإشارة إذاً إلى نسخ القرآن نفسه في بعض أجزائه.
ونوضح مثالاً مشهوراً في تفسير النَّسخ المشار إليه في سورة الحج ؟ حيث يبيّن كيف نسخ القرآن بعض الكلمات من سورة النجم ؟ وهي قوله تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى ، وملخص الخبر أنه بينما كان بني الإسلام يتلقى الوحي من جبريل ألقى الشيطان على لسانه تلك الكلمات ليستهويه إلى عبادة اللات والعزى ، فقالها كأنه موحى بها ؟ ثم بعد ذلك نسخها ، وروى هذه القصة يحيى وجلال الدين في تفسيرهما على النَّسخ الوارد في سورة الحج، ورواها ابن هشام عن ابن اسحق في سيرته، وقد ذكرت أيضاً في المواهب اللدنية وذكرها الطبري.
وهذا المثل كافياً لإقامة الدليل على أن النسخ المعبَّر عنه بقوله فينسخ الله الوارد في سورة الحج هو أن القرآن لم ينسخ الكتاب المقدس .
يعتقد البعض أن الزبور ناسخ للتوراة؟ والإنجيل ناسخ للزبور هذه دعوى باطلة ليس لها أساس في القرآن ولا في الحديث البتة ؟ وقد راجت بين عوام الناس رواجاً عظيماً؟ وسوف نورد شهادة بعض العلماء المعتبرين في هذا الصدد: قال الهندي في كتابه إظهار الحق إن القول بنسخ التوراة بنزول الزبور ونسخ الزبور بظهور الإنجيل بهتان لا أثر له في القرآن ولا في التفاسير؟ بل لا أثر له في كتاب من الكتب المعتبرة لأهل الإسلام - وقد صدق هذا العالم في ما قال لأنه لا يقول بالنسخ أحد إلا إذا كان جاهلا للقرآن وللكتاب المقدس.
أن تعليم أسفار العهدين القديم والجديد واحد وأنها سائرة على نظام واحد ووجهتها واحدة مستدرجة في إعلان مقاصد الله الأزلية لبني الإنسان,
الكتاب المقدس ابتداء من سفر التكوين إلى نهاية سفر الرؤيا والحالة هذه يشبه مبني عجيب أساسه التوراة والإنجيل ختامها وكل منهما يظهر حكمة الله وعدالته ومحبته ، وفداءه ورحمته الفائقة وأنه خالق كل الأشياء.
إذاً لم ينسخ الإنجيل التوراة وهذا ما عناه السيد المسيح بقوله : لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ : إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكلُّ - متى 5:17 و18 , هذه هي علاقة الإنجيل بالتوراة.
ويجب أن يعلم الجميع أن الكتاب المقدس هو حق وثابت ودائم غير قابل التبديل ولا النسخ لأنها تمثل للناس إرادة الله وصفاته وهي منزَّهة عن الخطأ والتغيير والتبديل في كل العصور.
فالحقائق التي وردت في العهد القديم يجب أن تبقى حقاً إلى ما لا نهاية, ولا يُقال إن العهد الجديد نسخها بل يُقال إنه شرحها وأبرزها.
فمن البديهي لكل ذي فهم أن الحقيقة الواردة في الكتاب كواقعة حال يجب أن تكون صدقاً أو كذباً, أما كونها كذباً فلم يدَّعِ هذه الدعوى أحدُ من المسلمين، وأما كونها صدقاً فيستحيل نسخها كما هو مستحيل لأي حادث أن يُمحى من بطون التاريخ، ويُمحى أثره من صحيفة الوجود وفي هذا كفاية.
أما فيما يتعلق أن الأنبياء معصومون من الخطأ وأن المسيحية ضد العقل.
يحاول الأستاذ رجائي عطية إيهام القرّاء بتلك الإدعاءات الغير صحيحة ، وربما لا يعلم أن الكتاب المقدس والقرآن لا يؤمن بعصمة الانبياء.
أن المسيحية لا تؤمن بعصمة الأنبياء ويقرر الكتاب المقدس في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ( 3:23) "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ".
وان يسوع المسيح الوحيد المعصوم من الخطأ هذه حقائق ثابتة في الكتاب المقدس. حيث ذكر بفمه الطاهر متحديا الجميع "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ ( إنجيل يوحنا 8: 46).
كما أن عصمة السيد المسيح، جاءت بالآية القرآنية في سورة (آل عمران 3 :36-37) "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا".
وأن عصمة المسيح من الخطأ واردة أيضاً في أحاديث بني الإسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي يقول: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (رواه البخاري).
تعلم الكثير خطأ منذ الصغر أن الأنبياء معصومون من الخطأ، ولكننا حين نقرأ القرآن؛ نجد هناك آيات فيها عتاب لبعض الأنبياء كما في سورة عبس، والآيات التي تتحدث عن قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه وزوجته التي أصبحت أم المؤمنين فيما بعد.
وأيضا خطأ آدم عليه السلام، وعتاب الله لنوح عليه السلام في قصته مع ابنه، وموسى عليه السلام في قتله لرجل من بني إسرائيل، وقصة داود وسليمان عليهما السلام (ففهمناها سليمان) ولم يفهمها لداود.
مما يعني أن فكرة عصمة الأنبياء تناقض بعض الآيات القرانية والأحاديث الصحيحة الواردة.
والقضية ليست محاولة إثبات أخطاء الأنبياء من باب ترصد الأخطاء وجمع العثرات، ولكن الإيمان بمثالية الأنبياء المطلقة تجعل الإيمان بمثالية الأشخاص واردة. والإيمان بذلك يدخل المجتمع في صراعات مذهبية وفكرية عميقة؛ تبعا لمحاولة إثبات مثالية البعض دون آخرين، مما يفتت المجتمع للأسف.
كما أن الإيمان بالمثالية سواء الأخلاقية أو الدينية، يسبب ضغطا على الأفراد، وتبعية عمياء للشخوص لا للحق، ونبذ المخطئين والبحث عن عثراتهم، وبهذا تستنزف طاقات الأفراد ويحملون أوزارا قد لا يحتملون تبعاتها الدينية والدنيوية.
إن هذه الفكرة ـ عدم عصمة الأنبياء ـ تبسط كثيرا من المسائل وتساعد على تلاحم المجتمع وقبول المخطئين، وأيضا تعطي العقول مساحة واسعة من التفكير، وليس كما يُزعم الأستاذ / رجائي أنها لا تعمل العقل، لأن التبعية بهذا المفهوم لن يكون لها وجود.
غير أن بعض العلماء ارتكزوا في فكرة عصمة الأنبياء، على قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى)، ولكننا حين ننظر للآيات التالية نجد أنها تتحدث عن القرآن.
وحتى لو فسرنا الآية بمفردها، نجد أنها قد تعني أنه لا ينطق تبعا لهواه، فإن أخطأ فهو تبعا لبشريته.
أن عصمة الأنبياء، ليس لها دليلا من القرآن أو السنة.
وأن ما أقترفه الأستاذ / رجائي عطيه يعد جريمة ازدراء أديان مكتملة الأركان وهذا ثابت من خلال تصريحاته والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي الدين المسيحي. .
ويستفاد ذلك من نص المادة ( 98 و) من قانون العقوبات تنص علي "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا.
فهناك ملايين الاّراء التي تمس الأديان الإبراهيمية فهل يعقل أن ينسخ أحداً تلك الأفكار الغير صحيحة لينال من الآخرين ويزدريهم ويزعم أنه ينقل عن فلان، فالدين علاقة خاصة بين الناس وربه ويجب علي الجميع احترام معتقدات الآخرين .
أن حرية الاعتقاد الرأي لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد، فليس له أن يحتمي في ذلك بحرية الاعتقاد ، وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
جدير بالذكر أن هناك ضوابط وضعها المشرع لصون هذا الحق من العبث وحماية المجتمع وعدم الإضرار بالوحدة الوطنية وحماية الأمن القومي للبلاد.
وبناء عليه
نلتمس من السيد الأستاذ المستشار النائب العام بصفته صاحب الاختصاص الأصيل تحريك الدعوي الجنائية أن يطلب من المجلس الأعلي للقضاء لرفع الحصانة عن السيد الأستاذ / رجائي عطية أعمالاً لنص المادة 103 من قانون المحاماة رقم 147 لسنة 2019 " وذلك للتحقيق معه بتهمة ازدراء الدين المسيحي وتعكير السلم والأمن العام.
كما نطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 602 لسنة 2018م مواجهة مثل هذه الدعاوي التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث أحداث طائفية تضر بالمجتمع ومواجهتها وقفاً للقانون بكل حزم للمحافظة علي الأمن القومي للبلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق