مصحة الفيسبوكيه "مدرسة المرضي النفسيين "

صفوت يوسف يكتب

عندما قال الكاتب الكبير طه حسين مقولته الشهيرة التعليم كالماء والهواء وكان وقتها يسعي لنشر التعليم وخلق شخصيات متعلمه تخدم المجتمع كان لا يدرك وقتها التحول الخطير الذي سيحدث بعد انطلاق الفيس بوك الذي جعل الناس اسري له وساهم في تنامي الطبقيه وانقسام المجتمع وتحولت معانيه بعد التمصير والتعريب الي ساحة معارك تعكس كم التطرف والاحقاد والعنف والهوس والمظهريه التي طغت علي كل حياتنا .. بل تحولت شبكات التواصل الاجتماعي الي ادوات السقوط وانزلقت الي اعماق التدني وبرزت التناقضات والازدواجيه والغيره وروح العداء وايضا الهروب والاختفاء خلف الشاشات لممارسة ادارة المؤامرات والدسائس وتصفية الحسابات واطلاق الشائعات وهدم الثوابت المجتمعيه والاخلاقيه التي كانت في يوما ما ولا ضوابط تحكم هذا الواقع الافتراضي الذي يُباح فيه كل شئ ..

وتحولت الفيس بوك مع مرور الزمن الي مصحة نفسيه كبيره نتواري خلفها وندير من خلالها المعارك والشحن والحشد والتأليب والهجوم والتجريح والاسقاط واستخدام كل نواقصنا العقليه وتتحول العقد والكبت والحرمان الي منهج حياه فتجد الهوس طغي في الشهرة والصور التي نتهافت عليها في تفاصيل حياتنا اليوميه واصبحت الحياه مشاع في الملبس والمأكل والخروجات والحوارات والخلافات وكله اصبح معلن ولم تعد للخصوصيه معني ولا قيمه وفقدت الثوابت التي عشناها وتربينا عليها اصالتها وعمقها ولم تعد الاسماك تغلق افواهها حتي لا يتم اصطيادها .. ومن السهل عندما تتابع الصفحات والبوستات والمناسبات والتعليقات تتدرك وقائع الاختلاف والخلاف والصراعات وتيارات التطرف وتكتشف ايضا مداهني السلطه وعبدة الكراسي والمشتاقين والمرأئيين والمنافقين والكاذبين والخونه والعملاء ومدعي الوطنيه ومدعي الدين ومدعي العفه والطهارة ومدعي النجاح ومدعي القوة ومدعي الامانه والصدق لتتعري الوجوه وتسقط جميع الاقنعه في مجتمع كبير مفضوح يحاول اللعب عبر الفيس بوك .. تجد هناك من يقيم صداقات وعلاقات لتحقيق اهداف وغايات في محاولات لاصطياد الطيور وهناك من له تطلعات ويسعي للشهره وينشر الباطل وهناك من تحاول ان تستقطب باساليب الاثارة الاخرين حتي تقنع نفسها انها امرأه التحرر وبلا قيد وهناك الفاشل الذي يحاول الاختباء وراء هذا العالم الافتراضي لكي يخدع الاخرين بالايهام وهناك من يغسل تاريخه وجرايمه وهناك من يهرب من نفسه وشخصيته ويصنع صفحات " فيك " مزيفه باسم انثي لكي يقتحم غرف النوم او خصوصيات المرأه وهناك من تصنع صفحات مزيفه لتحقيق اهداف خاصه تخفي ملامحها وشخصيتها الحقيقيه وتستبدلها باخري جاذبه او جريئه حتي لا تنكشف امام مجتمعها
هناك من يصنع صفحات سياسيه لدعم تيار او فصيل ويعلن مواقف مناقضه لشخصيته .. انها دائرة كبري من السقوط وفخ الازدواجيه الذي جعل من الفيس بوك بوق للكبت والتعنت والقهر وباقي الامراض النفسيه .. اشخاص كثيرون اصبح الفيس بوك وماسنجر هو الحياه بالنسبه لهم فهو الرساله التي تصل للاخرين وهو الكيد والمكيده وهو المنفس والحب والهوي والعشق الممنوع والرغبه المتاججه والكبت النفسي والجنسي والعقلي والحلم والتطلع والصراع والحرب
ولم يعد هذا العالم البرئ كما حلم صاحبة انه يكون التواصل الاجتماعي بل تحول الي هدم اجتماعي وتخريب اسري وتحزب الي اخره
اصبح الفيس بوك هو عنوان الفضايح وطريق من الكراهية والكذب ونشر الشائعات ونحن نملك بداخلنا اكثر من وجه واكثر من شخصيه تتنازع وتتحارب علي لاشئ
غابت الاهداف النبيله ومات النبلاء وان هرب عدد محدود طالته الشاشات المفخخه بالاثام والجرم
ضاعت الخصوصيه والمصداقيه واحترام الغير والفضائل والامانه والصدق ولم تعد للاخلاقيات وجود الا في ابحاث تُدرس في الجامعات ولكن في الواقع هجم الفراغ والسطحيه والتدني
في وقت ما وقبل ما تفتح مدرسة الفيس بوك مصحتها للناس كانت الحياه بسيطه وسهله وغير معقده حتي وان كانت هناك مشاكل نفسيه ومجتمعيه ولكن لم تصل الي الانفجار المريع والهوس المميت
الذي يدفع ثمنه الاحياء والاموات والاجيال والاطفال انها الحرب التي تفوق حرب المعلمه فضه المعداوي مع الدكتور ابو الغار في مسلسل الرايه البيضا للكاتب اسامه انور عكاشه وحرب اكثر ضراوة من حرب الناصر صلاح الدين ضد ريتشارد قلب الاسد قائد الصليبين
وفي النهايه ينطبق علي الحاله الفيسبوكيه العامه تلك المقوله
كلهُم كدابين وكلهُم عارفين إنهُم كدابين وكلهُم عارفين إننا عارفين إنهم كدابين، وبرضو مُستمرين فِ الكدب” .. احمد زكى فى الحب فوق هضبة الهرم
انها مدرسة الامراض النفسيه التي تحتشد بداخلها نوازعنا الشخصيه ورغباتنا التي تسعي للخروج من القمقم والانفجار في وجه المجتمع دون ان نظهر حقيقتنا ..
وكل يوم ندفع الثمن من هؤلاء المرضي الذين شرعوا قوانين خاصه لعالمهم تناقض القيم والاعراف والمبادئ ولازال المرضي طلقاء ويهددون سلام المجتمع وما تبقي من الاسرة المصرية
ركة

١٢ تعليقًا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق