المزارات، ناقوس خطر يدق
ماجد سوس
منذ عدة أسابيع سمعت عن كاهن قبطي تنيح في صعيد مصر طالبت أسرته أن يُبنى له مزاراً في الكنيسة على غرار الكزار الذي بُني للكاهن شريكاه في الخدمة ، ومنذ أيام تنيح كاهناً محبوبا في الإسكندرية بدأت معه أقلام محبيه المطالبة بعمل مزار يليق به كغيره ولأن لكل كاهن محبيه وأتباعه فإننا نكون أمام ظاهرة خطيرة ، مخيفة ، منعطف خطير قد يقود الكنيسة إلى نفق مظلم يصعب الخروج منه.
بالرغم من أن التطرق لهذا الأمر يبدو شائكا قد يُغضب مني البعض إلا أنني آثرت أن اطرحه واضعاً نصب عيني أمران، أولهما كلمات الكتاب " غيرة بيتك أكلتني (مز ٦٩ : ٩) ، الثاني المراهنة على نفرٍ تعلو لديهم مصلحة البيعة فوق الهوى الشخصي ، ويكون لزاما عليّ بل التزاما طرح هذا الأمر بكل شفافية ووضوح فلربما يكون مدخلا صحيحاً لإيجاد حلولا جذرية لمعضلة وعي روحي ، متفاقمة تصحيحها بات أمر إن شبه مستحيل ، بيد أن رجاءنا المنظور ليس رجاءً فعند الله حلولا فوق تصور البشر .
بدايةً ، علينا أن نتفق من جهة أيماننا بإكرام القديسين والتشفع بطوباوياتهم على ضوء التمثل بنهاية سيرتهم كأمر كتابي آبائي لا يقبل المزايدة ومن جهة أخرى التأكيد على أهمية النظر للموضوع بتنزه دون محاباة ودون شخصنة الأمر وخصخصته بل على ضوء حق الإنجيل ونهج الآباء ووضع قاعدة عامة مجردة يلتزم بها الجميع.
في القديم خشى الله القدير أن يعبد الشعب قائده العظيم ونبيه موسى النبي فأخفى جسده إلى يومنا هذا ثم أصعد جسد والدته العذراء مريم لئلا يبني لها مزارا وتعبدها الناس بجانب تكريمه لها بالطبع . بعدها كتب لنا يوحنا الحبيب رؤياه وقد رأى القديسين مدفونين تحت المذبح وقد استلمتْ هذا التقليد الكتابي معظم كنائس العالم وبالأحرى كنيستنا القبطية في مصر والتي قامت بدفن غالبية أباءها البطاركة القديسين في مدفن تحت مذابح الكاتدرائيات والكنائس.
كتب البابا كيرلس السادس البابا ال١١٦ وصيته طلب فيها أن يدفن في دير الشهيد مارمينا بمنطقة مريوط وهنا وقع أبناءه في خطأ ، أظن ، أنه غير مقصود فبدلا من دفنه تحت مذبح الكاتدرائية العظيمة التي بناها على اسم الشهيد مارمينا فيدخل الشعب ليصلي أمام المذبح كما يفعل مع البطاركة السابقين المدفونين في مذبح الأنبا رويس ، ثم يطلب شفاعة البابا ، أقاموا له مدفن رخامي ومزار خاص حتى دون انتظار أن يصدر أمراً من المجمع المقدس بعد مرور خمسون عاما باعتباره قديساً .
تطور الأمر لمنظر غريب لم تشهده الكنيسة من قبل ولم يحدث مع الآباء الكبار أثناسيوس وكيرلس الكبير وديسقوروس وغيرهم ، فقد وضعوا متعلقاته الشخصية وحتى حذاءه وجزء من شعره والقلم الذي كان يكتب به وغيرها من متعلقاته المادية ، في خزانات جاجية ، لم يكتفوا بهذا بل تطور الأمر أكثر مع المبالغة الشديد في بيع نتيجة البابا كيرلس ، قلم البابا كيرلس وأجندة البابا كيرلس وميدالية ومحفظة وايقونات وصور ومفرش وخلافه كلها للبابا كيرلس .
حتى أن زيارة المزارات قد تطغي على زيارة مذبح الرب فقد تدخل ديراً أو كنيسة وتهرول على المزار دون الجلوس عند اقدام الرب يسوع وفي يقيني أن صاحب المزار نفسه قد يقف خجلا أن الله وهو يؤكد له أنه لم يشأ هذا فالبابا كيرلس الذي كان يسبح الله طوال الليل ويقف أمام مذبحه كل يوم كان يأمل أن يرث أبناءه هذا . يا ليت مجمعنا المقدس في ذاك الزمان لأصدر أمره باستمرار دفن البطاركة تحت مذابح الكنائس وبدفن رجال الإكليروس في مكان مخصص إكراماص لهم .
المثال الثاني هو أبي وصديق عائلتي القمص بيشوي كامل السكندري الذي أقولها بكل ثقة وعن يقين وبالفم الممتلئ بأن شعب كنيسته المستنير، شعب كنيسة مارجرجس باسبورتنج كان سيقبل ويتهلل بالتسبيح والشكر أن كان قد دفن تحت مذبح الكنيسة وتحولت معه قاعة الكنيسة في الدور الأرضي لمذبح باسمه، لكن يومها أيضاً غلبت العاطفة الجميع لحبهم الشديد له . بعدها انتشرت الظاهرة في كل مكان في مصر وبدأ شعب كل كنيسة وإيبارشية يقوم بدفن أبيهم دون التفات لا لفكر الكتاب ولا الآباء ولا حتى لقرار مجمع الكنيسة.
المثال الثالث ، مزار المتنيح البابا شنودة الثالث والذي بني ، في عُجالة ، في وسط منطقة أثرية تعود للقرن الرابع ! وبالطبع كما بنى أبناء البابا كيرلس مزارا لأبيهم كان لا بد لأبناء البابا شنودة فعل نفس الأمر ووضعت خزانات زجاجية وضع فيها متعلقاته الشخصية بل وسيارته التي يلقي عليها الشعب العملات المعدنية . منذ أيام زار شخص هذا المزار وكتب على صفحته أنه وجد شخصا يقف أمام حذاء البابا ويمسح على الزجاج ثم يمسح على وجهه ليأخذ بركة الحذاء وهذا تعليم خطير يخرج عن تعاليم الكنيسة ويدخل بشعبنا البسيط إلى سلوك يحزن قلب المسيح .
الأمر تطور وبدأت الأديرة تبني المزارات لرؤسائها ووجدت كنائس بها عشرات الآباء الكهنة وكل كاهن له أحباء يرونه قديساً يستحق مزارا بعد انتقاله وقريبا ستتحول كنائسنا إلى مدافن وأضرحه
اليوم أطرح على أبي قداسة البابا وآبائي أعضاء المجمع المقدس فكرة أتمنى أن تنال القبول ، مفادها أن ننقل كل رفات الآباء تحت المذابح المقدسة ومن الممكن بناء كنائس ولو صغيرة وبالنسبة أن الآباء غالبيتهم لم يمر على نياحته أربعون عاماً فيمكن أن تسمى الكنائس باسم السيدة العذراء ثم يضاف إليها اسم المتنيح بعد مرور أربعين عاما على أن يترك الأمر في هذا الوقت للتصويت داخل المجمع المقدس.
أما أمر المتعلقات الشخصية فأقترح أن تبني الكنيسة مع الدولة متحف كبير خارج الأديرة والكنائس تضع فيه سجل تاريخ ومتعلقات الآباء البطاركة والآساقفة والكهنة والعلمانيين المشهود لهم ويكون المتحف لكل الشعب المصري كجزء من تاريخ مصر فالبابا كيرلس والبابا شنودة ، لهما بصمة مميزة في تاريخ هذا الوطن وفي هذا المتحف يمكن وضع مكاتب وأثاث ومُكاتبات وجوائز وسيارات وخلافه وكل ما يرغب الشعب في وضعه بعيد عن كنيسة الله.
أتمنى أن يطرح الأمر في اطار محبة حقة منزه عن أي أغراض شخصية ويترفع الجميع عن التحزبات والتحيز لأحد مهما كان، فقانون الكنيسة وتعاليم الآباء يجب أن تعلو فوق أي اعتبارات أخرى حتى يكون المجد كل المجد لله القدير وحده .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
-
إلى كلمات... مايكل مكرم (هـــايـزول الـشـر) أقـعـد فــي الـبـيـت وبـلاش تـنطـيـط كــلــهــا كــام يــوم والـغـمـة تــــــــزول فــكــر هــ...
-
تهنئ جريدة الأخبار النائبة نادية هنرى ، بمناسبة عودتها سالمه إلى أرض الوطن، بعد رحلة العلاج بامريكا، متمنين له دوام الصحة والعافية والسعاد...
-
قال النائب عمرو حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب، إن اللجنة الدينية اطلعت على خطة الأوقاف لفتح المساجد عقب انتهاء...
-
بقلم هاني صبري - المحامي اعتاد الأستاذ / رجائي عطية علي الحديث عن أمور تخص المسيحية ولا نعلم أن كان ذلك ناجماً عن عدم معرفة بالكتاب ال...
-
تداول رواد موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك"، فيديو مؤثر للحظة وفاة شاب يصطحب زوجته المريضة لعيادة أحد الأطباء في الشرقية، وبدأ ال...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق