فاقت معدلات الوفيات نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في إيطاليا المعدلات في ألمانيا بعشر مرات. فلماذا يتفاوت عدد الوفيات إلى هذا الحد بين البلدان؟
بلغ معدل الوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد في إيطاليا حتى نهاية مارس/آذار الماضي 11 في المئة من المصابين، بينما لم يتعد في ألمانيا 1 في المئة، مقابل أربعة في المئة فقط في الصين. وقد جاء أقل معدل وفيات في العالم في إسرائيل، إذ بلغ 0.35 في المئة.
قد يبدو غريبا للوهلة الأولى أن يؤدي فيروس واحد لم يثبت أنه تحور كثيرا أثناء انتشاره إلى هذا التفاوت الكبير في أعداد الوفيات المبلغ عنها. ويمكن إرجاع ذلك إلى عوامل عدة أهمها
طرق إحصاء الحالات وفحصها.(معدلات الوفيات المتباينة)
أولا يثير مصطلح "معدل الوفيات" الكثير من الالتباس، ولهذا قد تتباين الأعداد بشدة من بلد لآخر رغم أن السكان يموتون بنفس المعدل.
وذلك لأن معدلات الوفيات تحصى بطريقتين،
الطريقة الأولى تحسب عدد الذين يجزم الأطباء أنهم توفوا إثر الإصابة بالمرض، في حين تحسب الطريقة الثانية عدد الأشخاص الذين يعتقد أن الفيروس أودى بحياتهم، رغم عدم إجراء فحوص مخبرية لهم.
تأثير الفحوص المخبرية
يقول ديتريك روثنباكر، مدير معهد علم الأوبئة والبيولوجيا الإحصائية بجامعة أولم بألمانيا، إن هذا التباين الكبير في أعداد الوفيات من دولة لأخرى سببه الرئيسي نقص الفحوص المخبرية للمصابين في الكثير من الدول.
ويرى أنه لا يمكن الحصول على معدلات دقيقة للوفيات إلا بفحص الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض والأشخاص الذين لم تظهر عليهم الأعراض. وستكشف نتائج الفحوص عن مدى تأثير الوباء على جميع السكان وليس المصابين فقط.
وتقول شيلا بيرد، من وحدة الإحصاءات الحيوية التابعة لمجلس الأبحاث الطبية بجامعة كامبريدج، إن الفحوصات المخبرية تلعب دورا مهما في وضع تدابير الصحة العامة. إذ يعد الشخص مصابا بالعدوى إذا انتقل إليه الفيروس حتى لو لم تظهر عليه أي أعراض. لكن لا يمكن تأكيد الإصابة إلا بفحص الأجسام المضادة.
ويكشف فحص الأجسام المضادة عن آثار أي استجابة مناعية للجسم تجاه الفيروس. وتكمن أهمية هذه الفحوصات في أنها يستدل منها على الأشخاص الذين اكتسبوا مناعة ضد الفيروس ويمكنهم ممارسة حياتهم اليومية بأمان لأنهم لن يصابوا بالعدوى ولن يساهموا في نشرها.
واستطاعت بلدة فو أن توقف انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد في غضون أسبوعين، من خلال إتاحة الفحوصات المخبرية لعدد كبير من السكان ووضع تدابير صارمة لاحتواء الفيروس.
كيف يمكن الجزم بأن الوفاة ناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد؟
ثمة عوامل أخرى تسهم في تغيير معدلات الوفيات، منها إثبات أن سبب الوفاة هو فيروس كورونا المستجد. فقد يكون المريض مصابا بأمراض أخرى، مثل الربو، وتفاقمت حالته بسبب بفيروس كورونا المستجد، أو ربما يكون المريض قد توفي إثر إصابته بمرض آخر لا يرتبط بفيروس كورونا المستجد، مثل تمدد الأوعية الدموية في الدماغ.
ويؤثر تقدير الأطباء لأسباب الوفاة على معدلات الوفيات. ففي المملكة المتحدة، تنشر وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية الحصيلة اليومية للوفيات جراء الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا المستجد، حتى لو كان سبب الوفاة مرض آخر، مثل السرطان. في حين أن مكتب الإحصاءات الوطني بالمملكة المتحدة يعتبر جميع الوفيات ناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، طالما كان الفيروس مذكورا في شهادة الوفاة، سواء إذا كان المريض قد خضع للفحص أم كان مشتبها في إصابته بالعدوى.
وتسجل إيطاليا وألمانيا وهونغ كونغ جميع الوفيات بين المرضى الذين تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا المستجد على أنها ناتجة عن الإصابة بالفيروس. في حين أن الأطباء في الولايات المتحدة يلتزمون بكتابة أسباب الوفاة في تقارير وفيات فيروس كورونا المستجد التي يرفعونها إلى هيئة "مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها". فقد يرى الطبيب أن المريض توفي إثر إصابته بسكتة قلبية، على سبيل المثال.
لكن في الوقت الراهن، تنسب جميع الوفيات بين المرضى المصابين بالعدوى إلى فيروس كورونا المستجد، حتى لو كان الطبيب يرى أن الفيروس لم يكن سببا مباشرا في الوفاة.
وسيؤثر عدد الوفيات المنسوبة إلى فيروس كورونا المستجد على فهمنا لوخامة المرض على المدى الطويل.
أسباب متشابكة
لكن عندما يتفشى مرض ما، من المرجح أن ينسب الأطباء الوفاة إلى هذا المرض، حتى لو كان المريض مصابا بأمراض أخرى مسبقة. ولهذا يقول هينيغان إن الأطباء يتوقعون الأسوأ عادة عندما تتفشى الأوبئة.
وفيات تسقط سهوا
وعلى النقيض من المبالغة في تقدير الوفيات، قد يموت بعض المرضى جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد دون أن تشخص حالاتهم أو يخضعوا لأي فحوصات مخبرية ومن ثم لا تسجل الوفاة على أنها ناجمة عن فيروس كورونا المستجد، ولا سيما في الدول التي تعجز فيها المشافي عن استيعاب المرضى.
وعندما تتجاوز الحالات الطاقة الاستيعابية لأنظمة الرعاية الصحية، قد تتخذ المشافي قرارات مبكرا لإعطاء الأولوية لبعض الحالات الحرجة وتحرم غيرها من العلاج ومن ثم ترتفع معدلات الوفيات جراء فيروس كورونا بين المرضى الذين لم تشخص حالاتهم.
ويقول هينيغان إن نقص الأسرّة في المستشفيات لا يؤدي بالضرورة إلى زيادة عدد الوفيات إجمالا، لكن طريقة تنظيمها في المستشفيات، في حال كانت ملاصقة لبعضها، أو تنقل الأطباء بين الأقسام المختلفة، قد يسهم في نشر العدوى بين المرضى.
هل يلعب سن المصاب دورا في زيادة احتمالات الوفاة؟
ثمة عوامل أخرى تسهم في ارتفاع عدد الوفيات بشدة في بلد دون الآخر، منها التركيب العمري للسكان. ففي عام 2019، كان كبار السن الذين تجاوزا 65 عاما يمثلون ربع سكان إيطاليا بينما في الصين يمثلون 11 في المئة فقط. وبلغت معدلات الوفيات في إيطاليا منذ منتصف مارس/آذار 7.2 في المئة، في حين بلغت في الصين 2.3 في المئة في نفس المرحلة من تفشي الفيروس.
وتفاوتت أيضا نسب الوفيات بين كبار السن في البلدين، فبينما بلغت نسبة الوفيات بين كبار السن الذين تتراوح أعمارهم بين 70 و79 عاما في إيطاليا 12.8 في المئة، فإنها لم تتعد ثمانية في المئة في الصين..
وقد تسهم الحالة الصحية للمواطنين أيضا في ارتفاع أعداد الوفيات، ولا سيما في حالة انتشار أمراض مزمنة بين السكان.
قد يكون من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، معرفة الأعداد الحقيقية للوفيات جراء الإصابة بفيروس كورونا المستجد، إذ لا تزال وتيرة إجراء الفحوصات المخبرية بطيئة في الكثير من دول العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق