نسيم الاقباط

 فادى يوسف

تطل علينا رائحة عطر تفوح عبر الزمان البعيد البعيد والذى أمتد الى ألفين عام بالتحديد عندما دخل مرقس الرسول مدينة الفلسفة والتاريخ الاسكندرية العظيمة ليزرع أول زهرة فى البستان المصرى وأطلق عليها الزهرة القبطية.

وخرج من تلك الزهرة تلك الرائحة الفواحة ليتنسم بها العالم مستنشقين إيمان وصلاة وصوم ومحبة وسلام وزهرة بجوار زهرة وغصن بجوار غصن وشجرة بجوار شجرة حتى أمتلئت الاراضى المصرية ببساتين وجنائن متنوعة تعددت بها الوان وأشكال الزهور وبقيت البذرة الاصيلة التى وضعها مرقس الرسول ثابتة فى مكانها لم ولن يقدر أحد على أنتزاعها.

دخلت بستان جميل ورائت به زهرة تسمى زهرة الصليب وتأملتها فشاهدت عصور الاضطهاد والتى مرت على كل الاجيال القبطية حتى أحمر لون الزهرة وصار كالدم من كثرة صفوف شهداء الكنيسة وبرغم قدم تلك الزهرة الا أنها مازالت تدمى دماء جديدة.

ثم لاحظت وردة بيضاء كالثلج أطلق عليها زهرة الرهبنة وتأملتها فشاهدت تأسيس أول دير فى العالم بيد الانبا انطونيوس وأول سياحة روحية بالعالم بيد الانبا بولا وأول كهنوت رهبانى بيد الانبا مكاريوس الكبير وأول شركة رهبانية بيد الانبا باخوميوس ويزداد الصلبان المنيرة فى تلك الزهرة بكثرة عدد القديسين حاملى الصليب وبرغم قدم تلك الزهرة الا أنها مازلت تعطرنا بأباء عظام سيرتهم درب طريقنا.

وتحولت عينى الى زهرة أخرى بالبستان رائحة نسيمها يعجز اللسان عن نطقه وهى زهرة الارثوذكسية وهى يافعة قوية جزورها مثبتة فى باطن الارض يستحيل على أحد نزعها وأورقها متلونة بالصوم والقراءات وتسليم الاباء والصلاة الدائمة وبرغم قدم تلك الزهرة الا أنها مازالت مستقيمة غير منحنية بابنائها المباركين.

وجاء دور الزهرة الاخيرة شديدة الابهار وسميت زهرة الخدمة وهى منتشرة الاوراق ومتفرع منها زهور كسيقانها وشعرت أن تلك الزهرة تريد أن تفرد أوراقها على كامل البستان وبرغم قدم تلك الزهرة الا أنها مازالت تحتاج لمن يسقيها بأستمرار حتى تثمر.

وعند خروجى من البستان القبطى وأمتلاء صدرى برائحة النسيم القبطى شاهدت لوحة صغيرة مثبة فى الارض ومكتوب عليها ضع بذرتك هنا وظللت أبحث عن تلك البذرة فى البستان حتى جائنى البستانى وقالى لى ضع يدك فى قلبك وستجدها وبرغم أندهاشى من قوله الا أنى فعلت كما أمر وكأن له سلطان على الطاعة وبالفعل وجدت داخل قلبى بذرة صغيرة قمحية اللون ووضعتها فى مكان اللوحة وكتبت عليها الزهرة الباقية وهى باقية كبقاء الاقباط بمصر وبرغم حداثة تلك الزهرة الا أنها ستظل الى منتهى الاعوام.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق