جيهان ثابت |
تصاعدت وتيرة الاتهامات مع وصول الفيروس للولايات المتحدة، وتصدرها السريع لقائمة الدول المنكوبة بالوباء، بأكثر من ثلث الإصابات والوفيات تقريبا. فى تصريحات مساء الخميس الماضى، قال الرئيس الأمريكى إنه اطلع على تقارير تؤكد انطلاق الفيروس من مختبرات ووهان، ليرد الوزير المفوض فى سفارة بكين بالقاهرة مؤكدا أننا فى وقت تضامن لا تنمّر، وأن الفيروس عدو للبشرية بكاملها وليس مناسبة لهجوم لا أساس له على الصين، وفى المسار ذاته أكد متحدث الخارجية الصينين جينج شوانج أن المختبر "غير قادر على خلق فيروسات كورونا ولم يفعل ذلك أبدا"، منتقدا تصريحات السياسيين الأمريكيين الرامية لتحميل بلاده مسؤولية الوباء، وداعيا إياهم لقضاء الوقت فى البحث عن حلول للسيطرة على المشكلة.
لم تُغفل الصين الفرصة نفسها، إذ تواترت اتهامات على ألسنة عدد من مسؤوليها بشأن تجارة الولايات المتحدة بالمحنة ومساعيها لاستغلال الأمر تحقيقا لأطماع تتصل برؤيتها للسيطرة على العالم. وعزز موقف بكين السياسى ما تداوله الإعلام الأمريكى فى هذا الشأن، إذ قالت صحيفة نيويورك تايمز إن مسؤولين أمريكيين ضغطوا على الاستخبارات للبحث عن أدلة تعزز فرضية نشوء كورونا وانتشاره من مختبر فى ووهان، وأوردت واشنطن بوست عن مصادر بالبيت الأبيض، أن مسؤولين كبارا بدأوا استكشاف ووضع خطط لإقرار تدابير عقابية بحق الصين، أو مطالبتها بتعويضات مالية، تأسيسا على الاتهام الأمريكى لها بالتسبب فى انتشار الفيروس وتحوله لوباء عالمى.
الحرب التجارية
نظريا، تملك الولايات المتحدة آليات عديدة للضغط على الصين، أولها الميزان التجارى الذى يميل لصالح الثانية بنحو 375 مليار دولار تقريبا، فضلا عن العقوبات غير المباشرة التى تطال أسواقا أساسية لبكين، مثل إيران وفنزويلا اللتين تشكلان أغلب مواردها النفطية، تُضاف إلى ذلك سطوة واشنطن العملية من خلال هيمنة الدولار على مجمل التجارة العالمية، أو انكشاف أغلب مصارف الصين وحلفائها على النظام المالى الأمريكى. لكن فى المقابل لا تعدم بكين وسائل الرد والمناورة، سواء عبر تنشيط تحالفاتها الإقليمية والعالمية فى إطار منظمة شنغهاى .
حاولت الولايات المتحدة فى موقفها تجاه الصين، تجييش الحلفاء واستعداء أطراف دولية ضد خصمها الاقتصادى تحت ستار الوباء. التصريحات السياسية سعت عبر الهجوم المباشر، ودمج المنصات الإعلامية ضمن مكونات هذا الخطاب، إلى بلورة وترويج رأى عام مضاد لبكين، وتزامن ذلك مع خطوات للتقارب مع الحلفاء أو توجيه مساعدات عاجلة لبعض الدول المنكوبة. فضلا عن اتهام منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين والتهديد بتجميد حصة الولايات المتحدة السنوية التى تشكل النسبة الأكبر من ميزانيتها.
ثقل الأزمة الناجمة عن الوباء يرهق الجميع من دون شك. ومع ضخامة الاحتياجات العاجلة لتجاوز تلك الآثار فى غضون الشهور المقبلة، سيكون السباق نحو العبور مركبا، أولا بالبحث عن التعافى السريع، ثم محاولة تعطيل المنافسين الأكثر إزعاجا، مع احتمالية ألا تكون الموارد العالمية المتاحة كافية لإنجاز حالة تعافٍ وتنشيط عامة، ربما لذلك تتبادل الولايات المتحدة والصين الاتهامات حاليا، وتدخل روسيا على الخط من خلال منظمة شنغهاى، فى مشهد يُعيد أجواء الحرب الباردة التى امتدت نحو نصف القرن منذ نهاية الحرب الكونية الثانية إلى تفكك الاتحاد السوفيتى، لكن تلك المرة على أرضية اقتصادية براجماتية، تتخذ الوباء ستارا لإدارة الصراع، وتحاول توظيفه أداة للنيل من الخصوم. واشنطن تُعجبها المنظومة القائمة لكنها تحاول إعادة صياغتها بما يزيح بكين وموسكو من واجهة مشهد المنافسة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والأخيرتان تتمردان على سياق يحتفى بالهيمنة الأمريكية المُعمّرة لأكثر من ثمانية عقود، وتحاولان ابتكار صياغة تضعهما فى المقدمة، أو تؤسس لمرحلة متعددة الأقطاب مؤقتا، إلى أن تكتمل إزاحة الغول الأمريكى مستقبلا. عمليا تبدو الأزمة أعقد من تصورات الطرفين، وتداعياتها تطال الجميع بالتساوى، بل إنها تتعمق وتزداد حدة مع احتدام المناوشات، ومحاولة كل طرف تصدير خسائره للآخرين، ما يُطيل أمد الارتباك ويجعل الأمر صراعا صفريا أو قتالا فى بِركة وحل، غالبا سينتهى بهدنة اضطرارية يخرج الجميع بعدها أحياء، لكنهم سيحتاجون وقتا طويلا لتنظيف ما ألقاه كل منهم على الآخر من اتهامات ومعوقات وأوساخ!