|
عفت بشندي |
رن جرس المنزل
فتحت راوية.. رأته امامها.. اتسعت عيونها وتوقف قلبها من المفاجأة.. هل هو حقا؟؟؟..
هو ايضا لا يصدق.. بعدما عاش اعواما يظن انها فارقت الحياة.. ها هى امامه بكل تفاصيلها..
تسمرا امام بعضهما .. وبدأت دموعها تهطل بصمت.. لم تتحرك .. ولكن كانت كل خلجة من خلجاتها تنتفض .. وهو ايضا.. كانا يتفرسان فى بعضهما بمشاعر قوية طاغية ..
حتى نطقت هى بصوت لا يكاد يسمع:
- انت بجد؟؟
- ايوة.. انا احمد... يا .... امى
وكأن مشاعرها انفجرت بعد سماعها هذه الكلمة .. اخذته ف حضنها بعشق سنين الفراق.. وهو ايضا كان يريد ان ينهل من دفء حضنها بشغف.. وسالت الدموع انهارا.. وهى تقبل كل نقطه فى وجهه.. وهو يغسل يديها بدموعه المختلطة بقبلاته..
ظلا فترة يحتضنان بعضهما حتى افاقت وادخلته المنزل
فوجىء بصوره تملأ الجدران.. فى جميع مراحل عمره.. وكأنه مقيم فى هذا المنزل منذ ولادته..
اخذته راوية واجلسته على اريكة وجلست بجانبه تتأمله.. وهو الآخر يريد ان يتشرب ملامحها ..
- احمد .. انت بجد ادامى .. انت بجد عرفتنى .. وبتقولى امى كمان؟؟؟
- اه يا امى.. عشت يتيم السنين دى كلها ومحروم من الكلمة دى .. كتير كنت محتاجك ومحتاج حضنك.. وكنت بقعد اقول كلمة ماما ودموعى تنزل وانا حاسس بحلاوتها على لسانى لكن معنديش اللى اقولهالها
- حبيبى يابنى .. لو تعرف انا تعبت اد ايه واتوجعت اد ايه بكل لحظة بعدتها عنى .. بس خلاص.. مش مهم المهم انك رجعتلى ومش هتفارقنى تانى.. صح يا احمد.. قولى اه واوعدنى
- مفيش حاجة ف الدنيا ممكن تبعدنى عنك ابدا تانى
- حبيبى يبنى .. انا كدة هبتدى اعيش تانى زى الناس.. كنت عايشة بنص روح ونص قلب ونص حياة..
قال بغصة..
- وطبعا النص التانى استاذ رمزى
- لا يا حبيبى.. مش عمك رمزى.. واكيد هنقعد ونتكلم وتفهم كل حاجة.. بس لما حضنى يشبع منك الاول
- امال مين النص التانى ..
- النص التانى يبقى......
ويرن جرس الباب فى هذه اللحظة.. لتقول راوية:
- النص التانى على الباب اهه
وذهبت لفتح الباب وهو يتساءل عمن القادم..
فتح الباب لتدخل قذيفة فى هجوم نارى .. طفلة فى العاشرة شديدة الجمال بضفيرتين باللون الكستنائى .. دخلت بعاصفة ..
- جعانة هموت م الجوع يللا اكلينى
لتتفاجأ باحمد يجلس على الاريكة.. تفتح عيناها الواسعتين على اخرهما ... وتندفع له صارخة:
- ابيه احمد.. اخيرا جيت
لتقول له راوية:
- هى دى النص التانى .. اختك إش إش.. عشق
فوجئ احمد بالصغيرة تتعلق بعنقه فرحة.. وهو لا يعلم ماذا يفعل.. لم يتوقع ابدا وهو ابن الـ٢٤ عاما ان له اخت فى العاشرة ..
اخذتها راوية من يدها وقالت:
- اش اش روحى غيرى هدومك اخوكى لسة جاى وتعبان
- لا هقعد معاه.. دانا مستنياه من زمان
الدهشة تسيطر على احمد من كلام الصغيرة .. ولكن نهرتها امها قائلة:
- الكلام يتسمع .. يللا على اوضتك غيرى ونحضر الاكل لاخوكى
- هو هيقعد معانا ولا هيمشى على طول ؟؟
- لا هيقعد.. يللا باه اسمعى الكلام
- حاضر يا ماما.. ابيه احمد اوعى تمشى انا فرحانة انك جيت
طبعت اش اش قبلة سريعة على وجنة اخيها وذهبت لغرفتها
نظرت راوية لاحمد بحنو وشوق
- تعالى حبيبى ادخلك تريح شوية
- اريح ايه انا حاجز ف فندق
- فندق وبيت امك موجود
- يا ماما دا بيت استاذ رمزى.. ومش عاوز اكون ضيف تقيل
- ضيف؟؟ انت مش فاهم حاجة.. نتغدى ونقعد سوا نقول كل حاجة.. ولو بعدها حبيت تمشي.. يبقى براحتك
لم تهدأ إش إش.. كانت تدور حول احمد كالفراشة.. تتحدث بصوت عال فى كل شئ واى شئ .. وحاولت الام إبعادها بلا جدوى.. واحمد صامت لا يعرف كيف يتعامل مع هذا الكائن الذى لا يهدأ وهو الذى لم يتعامل مع اطفال طوال حياته .. خاصة بهذا الضجيج الذى تصنعه حولها
بدأوا تناول الطعام وصممت إش إش ان تطعمه بنفسها وكان يتناول من يدها على مضض.. فوقع طبق الشوربة عليه.. فقام سريعا وهو يزجرها:
- ايه دا.. عاجبك اللى عملتيه ..
- معلش يا احمد فرحانة بيك ومش قصدها
صمتت إش إش تماما.. وترقرقت الدموع فى عينيها.. وذهبت الى غرفتها دون كلام
- كدة يا احمد.. زعلتها
- انا هدومى باظت وهى ما بتسكتش
- يا حبيبى دا من فرحتها بيك.. كنت بحكيلها كتير عنك
- هى اوفر كدة على طول؟؟
- هههههههههه.. لما تعرفها هتحب حتى الاوفر بتاعها.. تعالى خد جلابية من بتوع رمزى البسها لحد ما انضفلك هدومك
- لا يا ماما خلاص.. لما ارجع الفندق هبقى اغير
- شكلك واخد موقف من رمزى ..
- معلش يا ماما .. اعذرينى.. سيبينى براحتى
- طب دى جلابية جديدة .. غير عبال ما اشوف إش إش واراضيها .. ونقعد نتكلم
- طيب ما نتكلم برة .. عشان نكون براحتنا
- رمزى راجع بكرة .. ما تقلقش
ذهبت راوية وجدت إش إش صامتة وتنظر للا شئ.. أخذتها فى حضنها وقالت:
- حبيبى الصغنن زعلان ليه
- هو ابيه احمد مش بيحبنى
- ليه بتقولى كدة
- مش اتكلم معايا خالص وانا كلمته كتير.. وكمان زعقلى اوى وانا مش كان قصدى
- معلش حبيبتى .. هو بس عشان جاى تعبان .. وعشان لسة ما اخدش عليكى .. وانتى كنتى بتتنططى زيادة بردو
- كنت عاوزة العب معاه .. مش هو اخويا
- اه يا حبيبتى اخوكى.. اصبرى بس وبلاش تنطيط ولا دوشة وهتلاقيه هو بيكلمك ويضحك معاكى ويلاعبك
- طيب بصى.. انا هسكت.. بس قوليله إش إش زعلانة ومش هتكلمك لحد ما تصالحها
- هههههههههههههههه.. فى اخت تزعل من اخوها.. نامى دلوقتى عشان عندنا مذاكرة بليل .. وانا رايحة لاخوكى
- طيب بوسيهولى بوسات كتير بس مش تقوليله انها منى عشان انا مقموصة منه
- ههههههههههههههههههههه... حاضر
دخلت راوية الغرفة تحمل صينية عليها كوبان من القهوة.. كان احمد يصلى العصر.. ظلت تتامله بجلباب ابيض ناصع زاده وسامة.. فاحمد يحمل لون بشرة والدته الابيض مع شعر اسود مموج وعينان واسعتان تبعثان الطمأنينة .. مع جسم طويل رياضى .. جعلها تشعر بالفخر ان هذا الشاب الرائع هو ابنها.. لكنها تنهدت بأسى عندما تذكرت انها لم تعش معه معظم سنوات عمره.. لم تعش معه جزءا من سنوات طفولته وجميع سنوات مراهقته وشبابه..
لكنها نفضت عن نفسها تلك الذكريات .. يكفيها انه عاد اليها ولن يفارق حضنها الدافئ مرة اخرى
انهى صلاته وجدها تتأمله بابتسامة حانية وعيون دامعة.. اخذ يديها وقبلهما.. وقال:
- ممكن ماشوفش ف عنيكى اى دموع
- غصب عنى .. فرحانة بيك يا نور عينى .. بس زعلانة انى ما عشتش معاك السنين اللى فاتت.. كان نفسي افرح بايامك يوم يوم
- المهم اللى جاى يا امى .. واللى جاى مش عاوز ابدا يكون فيه دموع
- حاضر.. اعذرنى .. بس قولى الاول عرفت ازاى انى عايشة .. وكمان عرفت انى هنا ومش ف مصر
تنهد بحزن .. وقال:
- للاسف عرفت متأخر اوى .. وللاسف كمان مش هعرف اجيب حقى وحقك
- حقى اخدته بدخلتك عليا .. بس فهمنى
- جدى مجدى.. تعب اوى .. وتقريبا بيموت.. طلبنى وقالى...
فلااااااااااش
الحد مرتمى على فراشه .. يوحى لمن يشاهده انه بالفعل لفظ انفاسه الاخيرة .. جاء احمد وجلس بجواره..
- نعم يا جدى .. فرحانة قالتلى انك عاوزنى
- اااه يا احمد.. عاوزك .. عاوز اشيل حمل تقيل من على قلبى قبل ما افارق الدنيا دى..
- بعد الشر عليك يا جدى ربنا يديك العمر
- يا احمد يبنى مهما ادانى بردو هفارق.. المهم انى عاوزك توعدنى وعد قبل ما اقولك اللى هحكيهولك
- اوعدك بايه
- انك ما تبعدش عنى زى ابوك.. من يوم ما صارحته وهو تقريبا مقاطعنى.. بيجيلى لمجرد صلة الرحم او صعبان عليه مش اكتر.. لكن محمد ابنى حبيبى بعد عنى وكرهنى
- بابا روحه فيك يا جدى.. هو اه اليومين دول مش طبيعى .. بس اكيد ظروف شغل
- لا يبنى .. عمر الشغل ما بعد ابوك عنى .. مفيش غير حاجة واحدة بعدته زمان .. وبعدته دلوقتى
- وايه هى
- اوعدنى الاول انك ما تعاملنيش زى ابوك
- اوعدك يا جدى
- واوعدنى تسامح الكل .. عاهدنى يا احمد
- ولو انى مش فاهم حاجة بس اوعدك واعاهدك يا جدى
- اللى بعد ابوك عنى زمان ودلوقتى هو... امك
- امى؟؟؟ الله يرحمها.. بعدتكم ازاى
- امك ما ماتتش يا احمد.. امك عايشة
- نعععععم.. امى انا عايشة
- ايوة .. عايشة .. وانا اللى بعدتها عنك وعن محمد ابنى .. كنت فاكر دا الصح .. واتعذبت وانا شايل ذنبها وذنبك.. وذنب محمد اللى عايش من يومها بيعانى وكله بسببى
- جدى.. براحة عليا .. انا مش فاهم حاجة.. اللى اعرفه ان امى ماتت وانا عندى خمس سنين
- لا يبنى .. انا اللى بعدتها عنك وهددتها كمان.. وكنت سبب موت ابوها وطلاقها من ابوك وطردها من بيتها
- يعنى امى عايشة؟؟ طب هى فين .. وماجاتش وحاولت تشوفنى ليه
- لانى قلتلها لو قربتلك هسفرك ومش هتعرفلك طريق.. وانى هلفقلها قضية اداب لو قربت منك وكدة هتعيش بعارها
- قضية اداب.. هى وصلت لكدة
- احمد انت عاهدتنى
- طب هى فين.. اوصلها ازاى
- عنوانها معايا.. هى وجوزها
-هى متجوزة كمان
- اه متجوزة رمزى اقرب اصحاب ابوك زمان
- اقرب صاحب لبابا؟؟!!!
- قلتلك روحلها وهتحكيلك.. وعاوزك توصلها امانة
- امانة ايه
- عقد القصر دا.. كتبته باسمها.. تعويض عن طردها منه زمان.. يمكن اكون كدة كفرت عن جزء من ذنبى
- انا مش فاهم حاجة.. عملت كدة ليه .. ومين اللى ساعدوك واللى خلتنى اعاهدك انى اسامحهم
- روحلها وهى هتحكيلك.. وقولها تسامحنى.. انا عارف انى ظلمتها كتير بس هى قلبها هيسامح.. هى قلبها كبير وطيب.. وخصوصا كمان لما تدخل عليها وانت شاب طول بعرض كدة
- طيب بابا ايه وضعه
- ابوك ضحية زيك وزيها.. ولما صارحته كرهنى عشان كدة.. روحلها وانت هتفهم كل حاجة
باااااااك
بكت راوية دموعا ساخنة وهى تسمع كلام الجد.. ولكن احمد مسح دموعها بانامله.. وقال:
- احنا قلنا بلاش دموع.. ونفسي اقولك انسي.. بس انا محتاج افهم .. انا حاسس انى تايه ومش فاهم حاجة
- هفهمك يا احمد.. انا اصلا عاوزة اشيل الحمل دا من على قلبى