اوليفر يكتب :
رائحة المسيح الزكية جذبت النفوس التى إستعدت للعريس.فى القلب لا الأنف تفوح لأنها ليس كعطور الأرض .رائحة المسيح عطرت العالم بسيرة الخاضعين لصوت الروح القدس بكل قلوبهم مثل أنبا بولا.
- سيرة جبار البأس أنبا بولا إرتبطت بالموت كثيراً.إستخدم الروح القدس الموت درساً للحياة.خاطبه صوت الله فى جنازة فى الطريق لمقاضاة أخيه لأجل الميراث.أراه الصوت أن المال يموت معنا.فوضع فى قلبه أن يموت المال أولاً وترك مقاضاة أخيه و توارى فى مقبرة ثلاثة أيام يصلى و الموت حوله.لقاءه بأنبا أنطونيوس كان من أجل كشف سيرته بإيجاز ثم موته و دفنه.بالأنبا بولا وضع الروح القدس عنوان (الإماتة) مرادفاً للرهبنة فصارت الرهبنة موتاً عن العالم و ما فيه.
- الروح القدس يكسو قلب أنبا بولا بالإماتة عن العالم.بدأ بموت الغريب ثم أدخله قرب الموت فى قبر ثم قاده إلى البرية ليحيا حرفياً ما قيل : أننا من أجلك نمات كل النهار(أى كل الحياة).لذا لم يكن غريباً أن يموت أنبا بولا عن المال و عن العالم بل و عن الناس ثمانون سنة لا ير فيها وجه إنسان.غلب فيها الطبيعة و صار سيداً للبرية و وحوشها كآدم فى الجنة.عاش أياماً فردوسية رغم قساوة الصحراء.
- يعلمنا أنبا بولا المبارك أن الإماتة عن العالم لا تعني تجاهل خلاص العالم.لذا ذكر الملاك لأنبا أنطونيوس أن الله يبارك الأرض و ثمارها بطلبات أنبا بولا الذى لا يأكل من هذه الثمرات بل من نصف خبزة نازلة من عند الله يعيش.
- إن رحلة الأنبا أنطونيوس للقاء أنبا بولا كشفت لنا كيف إستعمرت الشياطين البرية.عدد من المشاهد الخرافية المصطنعة ظهرت بها أجناد الشر فى الطريق لتكشف لنا دون أن تقصد عظمة و سلطان الآباء الرهبان الأتقياء الذين إستوطنوا ساحة الحرب مع أجناد الشر الروحية ليستخدمهم الله لمجد إسمه. إننا نقول سيرتهم ببساطة كأنهم كانوا فى رحلة مثل رحلاتنا الترفيهية للأديرة بينما هم قضوا حياتهم يصارعون أجناد الشر و يستأنسون وحوش الأرض البرية.كان أنبا بولا هيكلاً عظيماً مشيداً فى البرية.
- الغريب أننا نبدأ سيرة أنبا بولا بعد موته.لا نعرف عنه الكثير مع أنه عموداً للرهبنة .تتلمذ كثيرون عبر الأجيال على نصف الخبزة التى تقوت بها.كان أنبا بولا يضع عناويناً رئيسية للحياة مع الله تبدأ بتسليم القلب لمحبة الله مع رفض شهوة الإمتلاك ثم تبعية الروح القدس.لم ينشغل بتأسيس ديراً بل صار هو الدير ذاته.صار هو رهبنة المتوحدين.مثال للعبادة المنفردة.كل خطوة فى عمق البرية صارت طريقا للسكان فى مواضع الصخرة المتعلمين حياة أنبا بولا تعليماً حياً و ليست مجرد سيرة يقرأونها.
- العجيب أن أنبا بولا و هو يعيش الإماتة فى أوضح معانيها لا نجده حزيناً أو يتكلم عن الحزن.فالإماتة فضيلة و ليست جنازة نجتر فيها أحزان الموت.الإماتة نصرة للإنسان على ما يغلب الذات شهوة الجسد و شهوة العيون و تعظم المعيشة.كان أنبا بولا ميتاً عن العالم حياً بالروح متهللاً شاكراً مسبحاً مختبراً.
-لما يكون القديس أثناسيوس العظيم هو الذى يكتب سيرة أنبا بولا البار نعرف العلاقة بين المعرفة الإلهية فى البرية و المعرفة اللاهوتية فى التعليم.يمتزج من يدافع عن العالم بصلواته مع من يدافع عن الإيمان بجهاده.نعرف أن أنبا بولا هو أب القديس أثناسيوس كما كان له أنبا أنطونيوس.ثلاثية مقدسة.
- لم يترك أنبا بولا رسائل أو كتب أو أقوال مأثورة لكن حياته صارت كتباً و رسائل.كل من لم يسع للشهرة عند الناس إشتهر أكثر مما صنع لنفسه شهرة باطلة.فليكن القديس العظيم أنبا بولا تعليماً للجهاد ضد إبليس, نبراساً للرهبنة و مدرسة للصلاة و تعزية لمن يتبع المسيح بغير هم.سلام لك أنبا بولا من كل قلب ذاق بعضاَ مما ذقته من الإماتة عن العالم و الحياة مع الله.سلام من نفوس بكل رتبها تعرف قدرك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق