أصبح جوهر محمد أبرز وجوه المعارضة الإثيوبية المعتقَلة في عهد رئيس الوزراء الحائز على جائزة نوبل للسلام آبي أحمد.
وكان جوهر، البالغ من العمر 34 عاما، قد حذر في وقت سابق من تحوّل آبي أحمد إلى حاكم غير شرعي. ويُعدّ جوهر أحد أنصار القومية العرقية ويحظى بمتابعة نحو مليونَي شخص على فيسبوك.
ويواجه جوهر الآن اتهامًا بأنه على صلة بمقتل شرطيّ أثناء أعمال العنف الذي اندلع الأسبوع الماضي إثر اغتيال المغني الشهير هاشالو هونديسا في العاصمة أديس أبابا.
وينفي أنصار جوهر أيّ صلة تربطه بمقتل الشرطي، زاعمين أن رئيس الوزراء آبي أحمد إنما أمر باعتقاله بهدف التخلص منه.
ورغم انتمائهما لعرقية واحدة هي أغلبية الأورومو، اختلف جوهر وآبي أحمد بشكل حاد حول مستقبل توجُّه إثيوبيا منذ تولّي الأخير السلطة في 2018 وتعهّده بإرساء مبادئ الديمقراطية، وتوحيد البلاد التي قسّمتها الانتماءات العرقية بعد عقود من الحكم الاستبدادي.
ويرى أنصار حكومة آبي أحمد أن اعتقال جوهر كان ضروريا للتخفيف من احتداد نزعة القومية العرقية والعنف الذي يُتهم جوهر بتأجيجه ضد رؤية رئيس الوزراء الخاصة بتوحيد البلاد وصولا إلى وحدة وطنية تجمع أبناء الوطن الذين يتجاوز تعدادهم حاجز المئة مليون نسمة.
في المقابل، يرى أنصار جوهر أن اعتقاله إنما يكشف عن عدم تقبُّل رئيس الوزراء للرؤية البديلة التي يطرحها أبرز معارضيه، والتي تدور حول دولة فيدرالية تمنح الحكم الذاتي للأورومو وعرقيات أخرى في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية.
"انتمائي الأول للأورومو"
صرّح جوهر في وقت سابق من منفاه في أمريكا قائلا: "أنا أورومي قبل أي شيء"، مضيفا أن إثيوبيا "فُرضت" عليه.
هذه التصريحات أثارت وقتها ما وصفه مراقبون بأنه "تسونامي سياسي" انخرط فيه مناصرون بقوة لجوهر، ومنتقدين بقسوة له في أجواءَ من الاستقطاب الحاد بين الإثيوبيين في بلادهم وفي الشتات.
وقد تحوّلتْ كلمة جوهر "أنا أورومي قبل أي شيء" فيما بعد وأصبحتْ حملة سياسية تعارض النظام القائم في إثيوبيا بادئة من الشتات الأمريكي حيث انطلقت في ولاية مينيسوتا لتصل إلى إثيوبيا.
ثم وجدتْ الحملة منبرًا لها عام 2013 في محطة تليفزيونية فضائية -وحسابات تواصل اجتماعي- تحت اسم شبكة إعلام الأورومو.
وقال جوهر لدى انطلاق الشبكة: "لقد حررنا موجات أثير الأورومو. ولسوف نحرر الأرض في السنوات المقبلة".
وشغل جوهر منصب الرئيس التنفيذي للشبكة ليحوّلها إلى صوت نابض للشباب الذين أطلق عليهم اسم "كيرو" والذي يعني "الشاب الأعزب" وكان الاسم شائعا في حقبة التسعينيات على ألسنة جبهة تحرير أورومو التي كانت محظورة في ذلك الوقت.
وكانت نشأة جوهر في منطقة دوموغا التي كانت معقلا لجبهة تحرير الأورومو، وفي هذا يقول: "لقد وُلدت في ظل معاناة الأورومو" وعرفت الكثير عن اضطهاد هذا الشعب سواء على أيدي الإمبراطوريات أو الحكام المستبدين.
وعلى الرغم من أن الأورومو هي العرقية الأكبر في إثيوبيا، يُعدّ أبي أحمد أول رئيس وزراء من أبنائها، أما في زمن الإمبراطور هيلا سيلاسي، فقد كانت لغة شعب الأورومو وطقوسه الدينية محظورة.
وتميّز جوهر في صفوف الدراسة، ليحصل على منحة عام 2003 في سنغافورة قبل أن ينتقل بعد عامين إلى الولايات المتحدة ليحصل على إجازة في العلوم السياسية من جامعة ستانفورد ثم على الماجستير في حقوق الإنسان من جامعة كولومبيا عام 2013.
وفي أمريكا استمر جوهر في تعبئة أبناء الأورومو المهاجرين لدعم إخوانهم في إثيوبيا، وهو ما اكتسب زخما بعد مظاهرات حاشدة اندلعت عام 2015 وتمخضت بعد ثلاث سنوات -بمشاركة حركة شباب "كيرو"- عن استقالة إجبارية لرئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين.
وعندما ظهر أبي أحمد للمرة الأولى كخليفة محتمل لـمريام ديسالين، حذر جوهر مما وصفه بـ"الخطأ الاستراتيجي" حال وصول أبي أحمد لرئاسة الوزراء، مفضِّلا عليه وزير الدفاع الحالي ليما ميغرسا، والذي تتقارب رؤيته السياسية من رؤية جوهر بخلاف أبي أحمد.
لكنْ ما أن أصبح أبي أحمد أول أورومي يُنصَّب رئيسا للوزراء، حتى دعمه جوهر، لا سيما بعد أن شرع الأول في سلسلة من الإصلاحات بينها رفع الحظر عن جماعات المعارضة، وإطلاق سراح آلاف المعتقلين السياسيين، وإسقاط اتهامات متعلقة بالإرهاب كانت تلاحق آلاف المنفيين ومن بيهم جوهر، الذي عاد إلى إثيوبيا وأسس مقرا لشبكة إعلام الأورومو في أديس أبابا لتكون صوتا لـ حركة شباب "كيرو".
لكن هذا الدعم لأبي أحمد لم يدم طويلا، لأن جوهر ظل معتقدا أن الحكم الذاتي هو السبيل للاستقرار والرخاء الاقتصادي لكل الجماعات العرقية، مما يضعه في مواجهة مع رئيس الوزراء أبي أحمد.
"خيانة لآمالهم"
يرى أنصار جوهر أن اعتقاله الأسبوع الماضي دليل آخر على خيانة أبي أحمد لآمالهم - لا سيما وأن هذا الاعتقال جاء بعد تأجيل انتخابات طال انتظارها وكانت مزمعة الشهر المقبل لكن المسؤولين عن الانتخابات يقولون إن التأجيل بسبب وباء كورونا.
وكان أبي أحمد قرّر خوض السباق الانتخابي على رأس حزب الازدهار الذي أسسه العام الماضي بعد أن نجح في ضم ثمانية أحزاب قائمة على أساس عرقي في إطار رؤيته الخاصة بالاتحاد.
على الجانب الآخر، يقف جوهر وقد انضم إلى حزب "مؤتمر شعب أورومو"، كما تخلى عن منصبه في رئاسة شبكة إعلام الأورومو.
وقد خطط حزب مؤتمر شعب أورومو لتشكيل تحالف مع جبهة تحرير أورومو وحزب أورومو الوطني لخوض السباق الانتخابي بورقة القومية العرقية مهدِّدا بضرب قاعدة أبي أحمد الشعبية من الأورومو.
إضراب عن الطعام
وبعد تأجيل الانتخابات، أقبل جوهر على تحذير أبي أحمد من فقدان الشرعية كرئيس للوزراء مع انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في نهاية سبتمبر/أيلول.
والآن يقبع جوهر في السجن، ويقول حزبه إن السلطات تمنع عنه زيارات أفراد عائلته ومحاميه، وإنه بدأ إضرابا عن الطعام.
وتقول الشرطة إنها ماضية في تحقيقاتها تمهيدا لمحاكمة جوهر في قضية مقتل شرطي على يد أحد حراسه -طبقا لإحدى الدعاوى- أثناء مظاهرات اندلعت الأسبوع الماضي في أديس أبابا إثر مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا، الذي اشتهر بتقديم الأغاني المدافعة عن حرية الأورومو.
ويقول أنصار جوهر إن الشرطي لقي مصرعه على يد شرطي آخر بعد خلاف نشب بينهما حول ما إذا كان جوهر يستحق الاعتقال من عدمه.
ويواجه جوهر اتهامات بالتحريض على العنف والذي أدى إلى مقتل 97 شخصا على الأقل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد نشره مقطع فيديو قال فيه إن الحكومة تعرّض حياته للخطر برفعها الحماية الأمنية عنه، وهي اتهامات ينفيها جوهر.
وداهمت الشرطة مكاتب شبكة إعلام أورومو في أديس أبابا الأسبوع الماضي، لتجد نفسها مضطرة مرة أخرى إلى البث من الولايات المتحدة.
ويبقى الآن السؤال: هل يتمكن أبي أحمد من استعادة زمام المبادرة السياسية؟ أم هل يدفع اعتقال جوهر شباب الـ كيرو إلى تصعيد معارضتهم لأبي أحمد؟
الأشهر المقبلة ستشهد الإجابة عن هذا السؤال، تاركة الإثيوبيين في قلق بشأن المستقبل.